بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل جمال،
كلام الأخ الفاضل ناقد1 في النيلين صحيح تماماً ولا غبار عليه. والأمر كما قال أحمد والشيخ سعيد. وهي بداية موفقة للنقاش مع هذا المتهجم على الأشاعرة، وهذه النقطة لا بد من إبرازها بقوة، وهو أن هذا الرأي للجويني مع أنّ له وجهاً قوياً عند من يفهم إلا أنه خلاف الذي عليه الأشاعرة ويخالف ما يصرحون به في كتبهم ويمكنك أن ترى ما يصرح به السعد في شرح المقاصد في مسألة العلم وأذكر أنه نص على أنّ علمه تعالى علم تفصيلي بما لا يتناهى، وهذا هو قول المذهب الأشعريّ.
والإشكال في كلام الجويني في البرهان والذي ظاهره يخالف ما ذكره في كتبه الأخرى في مسألة العلم هو أنّ جعله الاسترسال في مقابل التفصيل يوهم أنّ الله تعالى عنده غير عالم بجزئيات ما لا يتناهى على التعاقب كما نسبه إليه المتفيهقون في النيلين ، والأمر ليس كذلك. كيف والإمام يصرح في جميع كتبه بقدم إرادته تعالى، وأنّ كلّ ما وقع وسيقع في الوجود مراد بإرادته القديمة، فهل يعقل أن يقول واحد بقدم الإرادة ثم يقول بأن المراد غير معلوم بالتفصيل!
واعلموا أن أهل السنة مجمعين على أنّ كلّ حادث دخل الوجود فهو متناه، ولا يمكن أن يقع في الوجود ما لا يتناهى دفعة، وعليه ففي كلّ وقت مقدّر سواء في جانب الماضي أو المستقبل فإنه لا يمكن أن تجتمع أفراد لا نهائية لشيء، فاللانهاية لا تحقق لها بالفعل مطلقاً، وعليه فلا يمكن أن توجد أنواع لانهائيّة وهي قضيّة الإمام الجويني بالنص، وأما أن ما يتناهى ليس بمعلوم على التفصيل بل على الاسترسال، فمبناه على أنّ ما لا يتناهى لا تفصيل له في نفس الأمر، وقد بيّنت ذلك بتفصيل في تلخيص كلام السبكيّ فمن سلّم هذه المقدّمة فعليه أن يلتزم كلام الجويني، والإمام رحمه الله تعالى لم يشرح الاسترسال، فليكن هذا اصطلاحاً خاصاً له وصفاً لعلمه تعالى القديم بما لا يتناهى في العقل عداً وتفصيلاً، فأي وجه يبقى لهؤلاء الحمقى في الاعتراض على الإمام بعد هذا التخريج الحسن لكلامه المتناسق مع مقالاته في كتبه الأخرى ومع ما نرتضيه من مقامه، ومن لم يرتض هذا المقدّمة فليأخذ بقول الأشاعرة. وعلى كل حال لا يجوز لأحد أن ينسب الجويني إمام الحرمين إلى الكفر لقوله بهكذا مسألة اجتهادية لا يقطع بلزوم إثبات النقص للإله تعالى عنه مع القول بها. وهي مسألة كما قال الشيخ سعيد دقيقة للغاية وفيها أنظار لطيفة بعيدة عن مثل سلطان.
ووالله الذي لا إله غيره لا يستطيع هذا الرجل أن يبيّن وجه لزوم الكفر من قول الإمام حال عدم شرحه للاسترسال، وإن كان رجلاً فليجار الفاضل ناقد1 في نقاش المسألة!
وإن من أغلظ في الرد على الإمام لم يحفظ أدبه ولا عرف مقامه ولا تصوّر المسألة حقّ تصوّرها، وكلّ هذا الكلام نقوله مع مخالفتنا للإمام في رأيه قولاً واحداً، فليتعلّم سلطان أدب البحث والحوار قبل أن ينبري لخوض هذه المهامه المتعالية عن غاية ما رأيناه من علمه وهمّته، وللحديث في مسألة الجويني بقيّة قريباً إن شاء الله تعالى، والله الموفّق.
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ وأنت خير الفاتحين