أشكر كل أخ فاضل تطوع للكشف عن أوهام بعض المتحذلقين، واحتمل سفاهاتهم وصبر على أذاهم وما ينشرونه من أوساخ .وأدعو الله تعالى أن يثيبنا وإياكم خير الثواب فهذا نوع من الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهيهات أن يتصور أحد العاملين أن يقوم ببيان الدين وما أقر به أعلام المسلمين دون أن يناله أذى هؤلاء الرعاع المغترين بشتى الأوهام، والمتصفين بمختلف الصفات القبيحة.
وكنا نعتقد أن المرزوقي أعقل بكثير مما أظهر من حاله، ثم ظهر لنا ما استدعى منا العجب، من ازدياد جهلٍ مع قلة في الأدب! وذلك لأنه تهاوى في الأدب إلى أسفل سافلين، واحتمل من الكذب والافتراء على خلق الله تعالى المتقدمين منهم والمتأخرين، ولم يرعوِ حتى فضَّل على علماء الدين أوساخَ المتفلسفين.
وقد سكتنا عنه فيما مضى وقلنا لعلَّ ذلك يعالج ما استقرَّ في نفسه من اختلال واضطراب لما رأى ما رددنا به عليه وما أظهرنا من جهالته وتسرعه، ولكن يبدو أن الجهل قد تزايد فيه، وتخللت ذلك الجهالة فظنَّ سكوتنا عنه، وسكوت الأفاضل خوفا وجبنا، ولعله قاس ذلك على ما تبدى له في وهمه من أشخاص سفهاء ترددوا لما أقدمَ، ونكسوا وهو أفدم، وصار يظنُّ -هو ومن معه- كل صيحة عليهم، شأن المنافقين.
ويبدو أن بطانته التي لم تتصف إلا بالسفه وقلة الأدب تحاول أن تنفخ نفخَ إبليس في ذوي النفوس المريضة الخائبة، ولم يقنعوا بالكذب الصراح بل تهاووا وضموا إلى ذلك أنواعا من الطيش فصاروا يوزعون الاتهامات هنا وهناك، ويصفون الخلق بما يتقي الأبالسة من أن يصفوهم به. وأبو يعرب من وراء ذلك يشجعهم ويبتسم في وجههم، ومن هنا فإننا نعتبره مسؤولاً عن كلَّ كلمة أطلقها هؤلاء الأوساخ !
وما كنا نعتقد أن الهوى قد عشش في نفسه ونفوس أصحابه، حتى وصل بهم الأمر إلى شبه اعتقاد راسخ بأن لا قول إلا قولهم، ولا ظنَّ إلا ظنهم، وتعدوا على كبار المتكلمين، وصاروا يصنفون هذا باطنيا، وذاك يونانيأ، وفوق ذلك كله جرؤ هذا المتجاهل على اتهام علماء الدين من الفقهاء والصوفية بأنهم مجرد عصابات مافية، وكرر ذلك في كتبه، وما ذلك إلا ليتقرب من أحبابه؟! فمن بربكم الذي يمكن أن يرضى على شخص يتهم الفقهاء والصوفية بأنهم مجرد عصابات مافية، يبرعون في استغلال الناس، والتحايل عليهم بالتعاون الأفاك مع السلاطين والظالمين!
ويبدو أنه التفَّ من حوله بعض ذوي الهوى، وعاندوا الحقَّ حتى بدا منهم ما بدا.. ومن الظاهر أنه لم يعلمهم إلا السفاهة والشتائم والسباب، فلم نرَ لأحد منهم نقاشا في مسألة فلسفية أو كلامية أو عقلية مطلقا، وقد أظهروا مبادرة للتفوق على أستاذهم لا في التفلسف الفارغ ولا في الوهم، بل في الانحطاط في اختراع القصص والخيالات وتصور أمور لا ثبوت لها إلا في أوهامهم، فصاروا يلوحون بأن كل من يكتب فإنما يدفعه إلى ذلك تسلط شيخ أو رغبة أو خوف أو طمع، ويلهثون من ورائه إلى اكتساب ما يلوح لهم به مما تخيله هؤلاء النوكى! وإذا سكت بعض أعضاء المنتدى ظنوه قد سكت لأنهم وافقهم على هرائهم، وصاروا يمنون أنفسهم الخربة بأنه سوف يعلن انفكاكه عن مذهب أهل السنة، ويعدون الخلق وأنفسَهم الصدئة بأنَّه سيكون أول التاركين، وفي بعض الأحيان كانوا يتملقون بعض الإخوة سرَّا أو علنا، ويمدحون هذا أحيانا ويتقربون من ذاك سعيا منهم وراء الإفساد والفساد، وتمزيق ما بين العباد، ولم يخطر ببالهم أنه إنما سكت –من سكتَ- متقززا من أحوالهم، ومبتعدا بنفسه عن أن يتلوث سمعه أو بصره بما يند من كلامهم الهابط عن أئمة الدين وعلماء المسلمين!
ولم يعرف هؤلاء المتحللون من كل خلق، والمتبرئون من كل احترام لأعلام الأمة أن هؤلاء الإخوة الذين يكتبون فإنهم لا يكتبون إلا ما به يعتقدون، ولا يرضون لأحد أن يملي عليهم، كما يظنُّ هؤلاء ويفترون! ولا يترقبون من أحد –من البشر - عطاء ولا يخافون منعا ولا حساباً، كما يوهم هؤلاء الكذبة المتهتكون! وكلُّ إناء بما فيه ينضح!
نعم لم يخطر لهم ذلك في بال مطلقا، لأنهم يعيشون في أحوال نفسية جد خطيرة، سوف نبين كثيرا منها فيما يأتي، ليتضح لهم ولغيرهم مدى سوء ما انتهوا إليه.
والعجيب أنَّ المرزوقي هذا يزعم في كتبه أنه يهاجم المتفلسفة الممثلين للثقافة اليونانية والغنوصية وغيرهما، ومن أجل ذلك ينتقد المتكلمين! ويصوِّر أعماله كأنها الدافعة لاضطرابات وأكاذيب الحداثيين والعلمانيين الملحدين، والواقع أنه في حقيقة أفكاره أكبر ممثل لهم، سواء في موقفه من علماء الإسلام، أو في ما يحاول بثه من أوهام، حتى إن ما يتعلل به ويحاول أن يتجمل من الابتعاد عن التأويل في الدين ما هو إلا مقلد فيه بعض المتفلسفة الذين يزعم فيما يزعم أنه يقف ضدهم ويكشف زيفهم. وسوف نبين أنه لا يستمد إلا من متفلسفة الغرب الذين فضلهم على ما أنتجته جهود علماء الإسلام على مرِّ الزمان وما رضي به أفاضل المحققين من الفقهاء والأصوليين والمتكلمين والمحدثين والمفسرين...الخ.
أمَّا آراؤه الشاذة الباطلة الأخرى، فهو مقلد فيها لبعض فلاسفة الغرب الذين هاجموا الأديان كلها، وتعلق بهم بعض السفهاء من مقلدين في المشرق، وكعادة هؤلاء في التاريخ يحاولون أن يظهروا أنفسهم بصورة المتحضرين، وأصحاب عقلية الحداثة، وأنهم يبتعدون عن العقلية القروسطية، ...الخ المصطلحات الفجة والقبيحة التي يشتركون هم والعلمانيون من الذين يعلنون إلحادَهم في وصف العلوم الدينية بها.
وكم كنا نودُّ أن يصلح من نفسه، ويربأ بها وبأصحابه عن التهاوي في الأوحال، ولكنه يأبى وهو في أرذل العمر إلا الانحلال...
وكنا عندما نقرأ بعض مقالاته التي ينشرها في موقعه، نتحسر على أحوال الناس عندما يجرفهم الهوى، ويعميهم الوهم وتتصرف بهم النفوس، وكنا نقول في أنفسنا لعلَّ وعسى! ولكن هيهات هيهات!
يعلم الله أنا ما أردنا إلا الإصلاح ونقد ما كتبه من الزيغ عما نراه حقا، وما ابتدأنا نحن بالجهالة بل منه ذاك بدا! ولم يتوقف حتى الآن بل قد أبى! ولعلَّ بعض المتخاذلين قد سوَّلوا له في نفسه أنه يتصرف بسيف عنترة، وما يميل على القوم إلا يجدهم هاربين، ولا أعرف كيف صدّق ذلك الوهم، فارتبط بنفسه مثل السهم.
ولن يكتال الإنسان إلا نتائج أعماله.