بَابُ آدَابِ بَابُ آدَابُ الْفَتْوَى وَالْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي
فَصْلٌ فِي آدَابِ الْفَتْوَى
من مقدمة المجموع للإمام النووي
يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى في مقدمة المجموع:
فَصْلٌ فِي آدَابِ الْفَتْوَى
فِيهِ مَسَائِلُ
( إحْدَاهَا ) :
يَلْزَمُ الْمُفْتِي أَنْ يُبَيِّنَ الْجَوَابَ بَيَانًا يُزِيلُ الْإِشْكَالَ .
ثُمَّ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْجَوَابِ شِفَاهًا . فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ لِسَانَ الْمُسْتَفْتِي كَفَاهُ تَرْجَمَةُ ثِقَةٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ ، وَلَهُ الْجَوَابُ كِتَابَةً ، وَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى خَطَرٍ .
وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ كَثِيرَ الْهَرَبِ مِنْ الْفَتْوَى فِي الرِّقَاعِ .
قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَلَيْسَ مِنْ الْأَدَبِ كَوْنُ السُّؤَالِ بِخَطِّ الْمُفْتِي ، فَأَمَّا بِإِمْلَائِهِ وَتَهْذِيبِهِ فَوَاسِعٌ ، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ قَدْ يَكْتُبُ السُّؤَالَ عَلَى وَرَقٍ لَهُ ، ثُمَّ يَكْتُبُ الْجَوَابَ .
وَإِذَا كَانَ فِي الرُّقْعَةِ مَسَائِلُ فَالْأَحْسَنُ تَرْتِيبُ الْجَوَابِ عَلَى تَرْتِيبِ السُّؤَالِ ، وَلَوْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ فَلَا بَأْسَ ، وَيُشْبِهُ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ } وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ لَمْ يُطْلِقْ الْجَوَابَ فَإِنَّهُ خَطَأٌ .
ثُمَّ لَهُ أَنْ يَسْتَفْصِلَ السَّائِلَ إنْ حَضَرَ ، وَيُقَيِّدَ السُّؤَالَ فِي رُقْعَةٍ أُخْرَى ثُمَّ يُجِيبَ، وَهَذَا أَوْلَى وَأَسْلَمُ.
وَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى جَوَابِ أَحَدِ الْأَقْسَامِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ الْوَاقِعُ لِلسَّائِلِ ، وَيَقُولَ : هَذَا إذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَا ، وَلَهُ أَنْ يُفَصِّلَ الْأَقْسَامَ فِي جَوَابِهِ ، وَيَذْكُرَ حُكْمَ كُلِّ قِسْمٍ .
لَكِنَّ هَذَا كَرِهَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُهُ . وَقَالُوا : هَذَا تَعْلِيمُ النَّاسِ الْفُجُورَ ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمُفْتِي مَنْ يَسْأَلُهُ فَصَّلَ الْأَقْسَامَ وَاجْتَهَدَ فِي بَيَانِهَا وَاسْتِيفَائِهَا .