الأخ جمال،
ظاهر الآية في سورة الملك معي في أن الله تعالى بصير، نعم فسّره بعض المفسرين بالعليم أو الخبير، ولكن بعضهم أيضاً ذكر أنها على ظاهرها أي بصير، وتحتمل المعنى الآخر وهو خبير أو عليم. وليس ثمة إشكال في حملها على ظاهرها، ولكن هيثم ينفي هذا الظاهر وليس له دليل على منع هذا المعنى الظاهر إلا تعنّته. لأنه لو أثبته لأثبت أن بصر الله تعالى يتعلّق بكلّ موجود، وهو الأمر الذي دخل المناقشة أصلاً لينفيه. وليقول إن الأشاعرة لا دليل لهم على تعلق السمع والبصر بكلّ موجود، فكيف يا ترى يرجع عن ذلك ويقول إنه مخطئ؟ إنه قد يهرب من المناقشة، يغيب شهراً أو أكثر، يفتعل أي شيء لينهي النقاش، يستفزني لأقول فيه كلاماً لا يعجبه فيعتذر عن إكمال النقاش... يجد أي مبرر، ولكن أن يعتذر ويقر بخطئه فالنقاشات السابقة معه دليل أنه ليس من هذا النوع. وهذه حقيقة الابتداع، اللفّ والدوران والتلاعب بالألفاظ، وعدم الرغبة في الوصول إلى الحق والتزامه.
ثمّ إنه ليس الأمر كما تقول من أننا لا نعرف الكيفية التي يسمع بها الله تعالى أو الكيفية التي يرى بها. ليس الأمر كذلك البتّة. بل الله تعالى منزّه عن الكيفيات تنزّهاً مطلقاً. والكيفيات هي من خصائص المخلوقات. وهيثم يثبت لذات الله تعالى وصفاته كيفيات كما هو واضح كالشمس في كلامه. ويقول إن الله يرى في جهة وبمقابلة أي أننا سنراه كما نرى الأجسام التي نراها بعيوننا هذه. ويثبت لله كلامين أحدهما قديم ليس بحرف ولا صوت والآخر حادث هو الحرف والصوت. والأول لا يسمع والثاني يسمع. وهذه كلّها ترّهات تنافي توحيد الصفات الله تعالى. وتنافي قوله تعالى ليس كمثله شيء.
كما أن هيثم يلزمه الجسمية، ويلزمه إثبات كثير من النقائص لله تعالى بكلامه، وهو ما ذكرته له بالتفصيل في أثناء حديثي. فالقضية ليست أمراً هيّناً. كما تظنّ.
فالأشاعرة يقولون هو سميع بصير ويتعلّق سمعه وبصره تعالى بكلّ ما هو موجود. وهيثم يقول لا يسمع إلا ما نسمعه نحن، ولا يبصر إلا ما نبصره نحن، ولا يسمي الشيء مسموعاً ولا مبصراً إذا لم يمكننا سماعه وإبصاره بالكيفية التي نسمع ونبصر بها الآن. وهو مع ذلك يقول إن الله مسموع ومبصر، فيلزمه أنه يسوي بين الله تعالى وبين المسموعات والمبصرات التي يسمعها ويبصرها بهذه الكيفية. وليس ما يسمعه ولا ما يبصره بهذه الكيفية إلا الأجسام، فيلزمه أن الله تعالى جسم.
هل عرفت الآن ما هي الخطورة التي ينطوي عليها كلام هيثم.
ولا نريد أن نفصّل في أقواله ههنا، فقد ذكرنا ما فيه الكفاية في أثناء النقاش معه، والله تعالى الموفّق.
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ وأنت خير الفاتحين