[ALIGN=RIGHT]أخي العزيز حسن العلوي، ها أنا أبدأ معك المباحثة في كتاب جمع الجوامع للإمام التاج السبكي، بشرح الإمام جلال الدين المحلي، رحم الله الجميع وأفاض علينا من بركاتهم وأنوارهم ..
وهنا أنقل كلام الإمام المحلي مع شرحه للمقدمة التي كتبها الإمام التاج، فإن يكن من تعليقات أرجو منك ومن القراء الكرام ذكرها أسفل هذه المشاركة .. [/ALIGN]
==================================
[ALIGN=CENTER]بسم الله الرحمن الرحيم[/ALIGN]
[ALIGN=JUSTIFY]الحمد لله على أفضاله، والصلاة والسلام على سيدنا محمَّدٍ وآله.
هذا ما اشتدَّتْ إليه حاجةُ المتفهّمين لجمع الجوامع من شرحٍ يحلّ ألفاظه ويبيّن مراده ويحقّق مسائله ويحرّر دلائله على وجهٍ سهلٍ للمبتدئين حسنٍ للنّاظرين نفع الله به آمين.
قال المصنّف رحمه الله تعالى:
[ALIGN=CENTER](بسم الله الرّحمن الرّحيم)[/ALIGN]
(نحمدك اللهمّ) أي نصفك بجميع صفاتك، إذ الحمد كما قال الزّمخشريّ في الفائق: الوصفُ بالجميل، وكلٌّ من صفاته تعالى جميلٌ، ورعايةُ جميعها أبلغُ في التّعظيم المراد بما ذكر؛ إذ المراد به إيجادُ الحمدِ لا الإخبار بأنه سيوجد، وكذا قوله: نصلي ونضرع، المراد به إيجاد الصّلاة والضّراعة لا الإخبار بأنّهما سيوجدان.
وأتى بنون العظمة؛ لإظهار ملزومِها الذي هو نعمةٌ من تعظيم الله له يتأهّب له العلم، امتثالاً لقوله تعالى: ﴿وأمّا بنعمة ربّك فحدّث﴾.
وقال ما تقدّم دون (نحمد الله) الأخصر منه، للتّلذّذ بخطاب الله وندائه.
وعدَلَ عن (الحمد لله) الصّيغة الشّائعة للحمد إذ القصد بها الثّناء على الله تعالى بأنّه مالكٌ لجميع الحمد من الخلق، لا الإعلام بذلك الذي هو من جملة الأصل في القصد بالخبر من الإعلام بمضمونه إلى ما قاله؛ لأنّه ثناءٌ بجميع الصّفات برعاية الأبلغيّة كما تقدّم، وهذا بواحدةٍ منها، وإن لم تراع إلا الأبلغيّة هناك بأن يراد الثّناء ببعض الصّفات فذلك البعض أعمّ من هذه الواحدة لصدقه بها وبغيرها الكثير فالثّناء به أبلغ من الثّناء في الجملة أيضًا نعم الثّناء بها من حيث تفصيلها أوقع في النّفس من الثّناء به.
(عَلَى نِـعَمٍ) جمع نعمةٍ بمعنى إنعامٍ، والتّنكير للتّكثير والتّعظيم، أي إنعاماتٌ كثيرةٌ عظيمةٌ منها الإلهام لتأليف هذا الكتاب والإقدار عليه، و(على) صلة نحمد.
وإنَّما حمد على النّعم أي في مقابلتها لا مطلقًا؛ لأنّ الأوّل واجبٌ والثّاني مندوبٌ.
ووصف النّعم بما هو شأنها بقوله (يُؤذِنُ الحَمْدُ) عليها (بازْدِيَادِهَا) أي يعلم بزيادتها؛ لأنّه متوقّفٌ على الإلهام له والاقدار عليه، وهُـمـَا من جُملة النِّعَم، فيقتضيان الحمد، وهو مؤذنٌ بالزّيادة المقتضية للحمد أيضاً وهلمّ جرّا، فلا غاية للنّعم حتّى يوقف بالحمد عليها ﴿وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها﴾.
وازداد وزاد اللام مطاوعًا زاد المتعدّي تقول: زاد الله النّعم عليَّ، فازدادت وزادت.
(ونُصَلـِّي على نَبِيِّك محمَّدٍ)
من الصّلاة عليه المأمور بها وهي الدّعاء بالصّلاة أي الرّحمة عليه أخذًا من حديث ﴿أمرنا الله نصلي عليك فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهمّ صل على محمّدٍ﴾ إلخ رواه الشّيخان إلا صدره فمُسلمٌ.
والنّبيّ إنسانٌ أوحي إليه وإن لم يؤمر بتبليغه، فإن أُمِرَ بذلك فرسولٌ أيضاً، أو أمر بتبليغه وإن لم يكن له كتابٌ أو نسخٌ لبعض شرع من قبله كيوشع فإن كان له ذلك فرسولٌ أيضاً قولان.
فالنّبيّ أعمّ من الرّسول عليهما، وفي ثالثٍ أنّهما بمعنًى وهو معنى الرَّسول على الأوّل المشهور.
وقال: نبيّك دون رسولك؛ لأنّ النّبيّ أكثر استعمالاً، ولفظه بالهمز من النّبإ أي الخبر؛ لأنّ النّبيّ مخبرٌ عن الله، وبلا همزٍ وهو الأكثر قيل: إنّه مخفّف المهموز بقلب همزته ياءً، وقيل: إنّه الأصل من النّبوة بفتح النّون وسكون الباء، أي الرّفعة لأنّ النّبيّ مرفوع الرّتبة على غيره من الخلق.
ومحمّدٌ علمٌ منقولٌ من اسم مفعول المضعّف، سمّي به نبيّنا بإلهامٍ من الله تعالى، تفاؤلاً بأنّه يكثر حمد الخلق له؛ لكثرة خصاله الجميلة، كما روي في السّير أنّه قيل لجدّه عبد المطّلب وقد سمّاه في سابع ولادته لموت أبيه قبلها: لم سمّيت ابنك محمّدًا وليس من أسماء آبائك ولا قومك؟ قال: رجوتُ أن يحمد في السّماء والأرض، وقد حقّق الله رجاءه كما سبق في علمه تعالى.
(هادي الأمّة) أي دالّها بلطفٍ (لرشادها) يعني لدين الإسلام الذي هو تمكّنه في الوصول به إلى الرّشاد وهو ضدّ الغيّ كأنّه نفسه وهذا مأخوذٌ من قوله تعالى: ﴿وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ﴾ أي دين الإسلام.
(وعلى آله) هم كما قال الشّافعيّ رضي الله عنه أقاربه المؤمنون من بني هاشمٍ والمطّلب ابني عبد منافٍ؛ لأنّه صلى الله عليه وسلم قسَّم سهم ذوي القربى -وهو خمس الخمس- بينهم تاركًا غيرهم من بني عمّيهم نوفل وعبد شمسٍ مع سؤالهم له، رواه البخاريّ، وقال: ﴿إنّ هذه الصّدقات إنّما هي أوساخ النّاس وإنّها لا تحلّ لمحمّدٍ ولا لآل محمّدٍ﴾ رواه مسلمٌ، وقال: ﴿لا أحلّ لكم أهل البيت من الصّدقات شيئًا ولا غسالة الأيدي إنّ لكم في خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم أي بل يغنيكم﴾ رواه الطّبرانيّ في معجمه الكبير.
والصّحيح جواز إضافته إلى الضّمير كما استعمله المصنّف.
(وصحبه) هو اسم جمعٍ لصاحبه بمعنى الصّحابيّ وهو كما سيأتي من اجتمع مؤمنًا بسيّدنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلم.
وعطف الصّحب على الآل الشّامل لبعضهم لتشمل الصّلاة باقيهم.
(ما) مصدريّةٌ ظرفيّةٌ (قامت الطّروس) أي الصّحف جمع طِرسٍ بكسر الطّاء (والسّطور) من عطف الجزء على الكل صرّح به لدلالته على اللفظ الدّال على المعنى (لعيون الألفاظ) أي للمعاني التي يدلّ عليها باللفظ ويهتدي بها، كما يهتدي بالعيون الباصرة وهي العلم المبعوث به النّبيّ الكريم (مقام بياضها) أي الطّروس (وسوادها) أي سطور الطّروس.
المعنى: نصلي مدّة قيام كتب العلم المذكور قيام بياضها وسوادها اللازمين لها، وقيامها بقيام أهل العلم لأخذهم إيّاه منها كما عهد، وقيامهم إلى السّاعة لحديث الصّحيحين بطرقٍ ﴿لا تزال طائفةٌ من أمّتي ظاهرين على الحقّ حتّى يأتي أمر الله أي السّاعة﴾ كما صرَّح بها في بعض الطّرق.
قال البخاريّ: وهم أهل العلم؛ أي لابتداء الحديث في بعض الطّرق بقوله ﴿من يرد الله به خيرًا يفقّهه في الدّين﴾ وأبّد الصّلاة بقيام كتب العلم المذكور؛ لأنّ كتابه هذا المبدوء بما هي منه من كتب ما يفهم به ذلك العلم.
(ونضرع) بسكون الضّاد بضبط المصنّف أي نخضع ونذلّ (إليك) يا الله (في منع الموانع) أي نسألك غاية السّؤال من الخضوع والذّلة أن تمنع الموانع أي الأشياء التي تمنع أي تعوق (عن إكمال) هذا الكتاب، (جمع الجوامع) تحريرًا بقرينة السّياق الذي إكماله، لكثرة الانتفاع به فيما آمله خُيورٌ كثيرةٌ، وعلى كل خيرٍ مانعٌ.
وأشار بتسميته بذلك إلى جمعه كلّ مصنّفٍ جامعٍ فيما هو فيه، فضلاً عن كل مختصرٍ، يعني مقاصد ذلك من المسائل والخلاف فيها دون الدّلائل وأسماء أصحاب الأقوال إلا يسيراً منهما، فذكره لنُكتٍ ذكرها في آخر الكتاب.
(الآتي من فنّ الأصول) بإفراد فنٍّ، وفي نسخةٍ بتثنيته وهي أوضح، أي فنّ أصول الفقه أو فنّ أصول الدّين المختتم بما يناسبه من التّصوّف، والفنّ النّوع، وفنّ كذا من إضافة المسمّى إلى الاسم كشهر رمضان ويوم الخميس ومَنْ ومَا بعدها بيانٌ لقوله: (بالقواعد القواطع) قدّم عليه رعايةً للسّجع.
والقاعدة قضيّةٌ كليّةٌ يتعرّف منها أحكام جزئيّاتها نحو الأمر للوجوب حقيقةً، والعلم ثابتٌ لله تعالى.
والقاطعة بمعنى المقطوع بها، كـ﴿عيشةٍ راضيةٍ﴾ من إسناد ما للفاعل إلى المفعول به لملابسة الفعل لهما.
والقطع بالقواعد القطعيّة أدلَّتُها المبيّنة في محالِّها، كالعقل المثبت للعلم والقدرة لله تعالى، والنّصوص والإجماع المثبتة للبعث والحساب، وكإجماع الصّحابة المثبت لحجّيّة القياس وخبر الواحد حيث عمل كثيرٌ منهم بهما متكرّراً شائعاً مع سكوت الباقين الذي هو في مثل ذلك من الأصول العامّة وفاق عادةً.
وفيما ذكره من الأصول قواعد قواطع تغليبٌ، فإنَّ من أصول الفقه ما ليس بقطعيٍّ كحجّيّة الاستصحاب ومفهوم المخالفة، ومن أصول الدّين ما ليس بقاعدةٍ كعقيدة أنّ الله موجودٌ وأنّه ليس بكذا ممّا سيأتي.
(البالغ من الإحاطة بالأصلين)، لم يقل الأصوليّين الذي هو الأصل إيثاراً للتّخفيف من غير إلباسٍ (مبلغ ذوي الجِدِّ) بكسر الجيم أي بلوغ أصحاب الاجتهاد (والتّشمير) من تلك الإحاطة (الوارد) أي الجائي (من زهاء مائة مصنّفٍ) بضمّ الزّاي والمدّ أي قدرها تقريبًا من زهوته بكذا أي حرّزته حكاه الصَّاغانيّ، قلبت الواو همزةً لتطرّقها إثر ألفٍ زائدةٍ كما في كساءٍ (مَنهَلاً) حالٌ من ضمير الوارد (يُرْوِي) بضمّ أوّله، أي كل عطشان إلى ما هو فيه، (ويمير) بفتح أوّله يعني يشبع كل جائعٍ إلى ما هو فيه من مار أهله أتاهم بالميرة أي الطّعام الذي من صفته أنّه يشبع، فحذف معمولي الفعلين للتّعميم مع الاختصار بقرينة السّياق.
والمنهل عينُ ماءٍ يورد، ووصفه بالإرواء والإشباع كماء زمزم فإنّه يروي العطشان ويشبع الجوعان، ومن استعمال الجوع والعطش في غير معناهما المعروف كما هنا قول العرب: جُعتُ إلى لقائك، أي اشتقت وعطشت إلى لقائك، أي اشتقت حكاه الصَّاغانيّ.
(المحيط) أيضًا بزبدة أي خلاصة (ما في شرحي على المختصر) لابن الحاجب (والمنهاج) للبيضاويّ وناهيك بكثرة فوائدهما (مع مَزِيدٍ) بالتّنوين بضبط المصنّف (كثيرٍ) على تلك الزّبدة أيضاً.
(وينحصر) جمع الجوامع يعني المعنى المقصود منه (في مقدِّمات) بكسر الدّال كمقدِّمة الجيش للجماعة المتقدِّمة منه من قدم اللازم بمعنى تقدّم، ومنه ﴿لا تقدّموا بين يدي الله﴾، وبفتحها على قِلَّةٍ كمقدَّمة الرّحل في لغة من قدّم المتعدّي أي في أمورٍ متقدّمةٍ، أو مقدّمةٍ على المقصود بالذّات للانتفاع بها فيه مع توقّفه على بعضها كتعريف الحكم وأقسامه، إذ يثبتها الأصوليّ تارةً وينفيها أخرى كما سيأتي.
(وسبعة كتبٍ) في المقصود بالذّات خمسةٌ في مباحث أدلة الفقه الخمسة: الكتاب والسّنّة والإجماع والقياس والاستدلال، والسّادس في التّعادل والتّراجيح بين هذه الأدلة عند تعارضها، والسّابع في الاجتهاد الرّابط لها بمدلولها وما يتبعه من التّقليد وأحكام المقلدين وآداب الفتيا.
وما ضمّ إليه من علم الكلام المفتتح بمسألة التّقليد في أصول الدّين المختتم بما يناسبه من خاتمة التّصوّف.[/ALIGN]