النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: أَحْكَام الْمُفْتِين من بَابُ آدَابُ الْفَتْوَى وَالْمُفْتِي من المجموع للإمام النووي

  1. أَحْكَام الْمُفْتِين من بَابُ آدَابُ الْفَتْوَى وَالْمُفْتِي من المجموع للإمام النووي

    فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمُفْتِينَ فِيهِ مَسَائِلُ
    من بَابُ آدَابُ الْفَتْوَى وَالْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي في مقدمة المجموع
    إحْدَاهَا ) الْإِفْتَاءُ فَرْضُ كِفَايَةٍ



    يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى في مقدمة المجموع:

    فَصْلٌ
    ( فِي أَحْكَامِ الْمُفْتِينَ فِيهِ مَسَائِلُ )

    ( إحْدَاهَا ) الْإِفْتَاءُ فَرْضُ كِفَايَةٍ

    فَإِذَا اُسْتُفْتِيَ وَلَيْسَ فِي النَّاحِيَةِ غَيْرُهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ .
    فَإِنْ كَانَ فِيهَا غَيْرُهُ وَحَضَرَا فَالْجَوَابُ فِي حَقِّهِمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ .
    وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا : لَا يَتَعَيَّنُ لِمَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، وَالثَّانِي : يَتَعَيَّنُ ، وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي مِثْلِهِ فِي الشَّهَادَةِ .

    وَلَوْ سَأَلَ عَامِّيٌّ عَمَّا لَمْ يَقَعْ لَمْ يَجِبْ جَوَابُهُ .

  2. ( الثَّانِيَةُ ) إذَا أَفْتَى بِشَيْءٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ .

    ( الثَّانِيَةُ ) إذَا أَفْتَى بِشَيْءٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ .

    فَإِنْ عَلِمَ الْمُسْتَفْتِي بِرُجُوعِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ عَمِلَ بِالْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ بِهِ .
    وَكَذَا إنْ نَكَحَ بِفَتْوَاهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَى نِكَاحٍ بِفَتْوَاهُ ثُمَّ رَجَعَ ، لَزِمَهُ مُفَارَقَتُهَا كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ مَنْ قَلَّدَهُ فِي الْقِبْلَةِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ ، وَإِنْ كَانَ عَمِلَ قَبْلَ رُجُوعِهِ فَإِنْ خَالَفَ دَلِيلًا قَاطِعًا لَزِمَ الْمُسْتَفْتِيَ نَقْضُ عَمَلِهِ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ فِي مَحِلِّ اجْتِهَادٍ لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْضُهُ ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ .
    وَهَذَا التَّفْصِيلُ ذَكَرَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَالْخَطِيبُ وَأَبُو عَمْرٍو ، وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ ، وَلَا أَعْلَمُ خِلَافَهُ ، وَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّازِيُّ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِخِلَافِهِ .
    قَالَ أَبُو عَمْرٍو : وَإِذَا كَانَ يُفْتِي عَلَى مَذْهَبِ إمَامٍ فَرَجَعَ لِكَوْنِهِ بَانَ لَهُ قَطْعًا مُخَالَفَةُ نَصِّ مَذْهَبِ إمَامِهِ ، وَجَبَ نَقْضُهُ وَإِنْ كَانَ فِي مَحِلِّ الِاجْتِهَادِ ؛ لِأَنَّ نَصَّ مَذْهَبِ إمَامِهِ فِي حَقِّهِ كَنَصِّ الشَّارِعِ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ .
    أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُسْتَفْتِي بِرُجُوعِ الْمُفْتِي فَحَالُ الْمُسْتَفْتِي فِي عِلْمِهِ كَمَا قَبْلَ الرُّجُوعِ ، وَيَلْزَمُ الْمُفْتِيَ إعْلَامُهُ قَبْلَ الْعَمَلِ ، وَكَذَا بَعْدَهُ حَيْثُ يَجِبُ النَّقْضُ ، وَإِذَا عَمِلَ بِفَتْوَاهُ فِي إتْلَافٍ فَبَانَ خَطَؤُهُ وَأَنَّهُ خَالَفَ الْقَاطِعَ فَعَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ يَضْمَنُ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلْفَتْوَى ، وَلَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَفْتِيَ قَصَّرَ .
    كَذَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو وَسَكَتَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مُشْكِلٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ الضَّمَانُ عَلَى قَوْلَيْ الْغُرُورِ الْمَعْرُوفِ فِي بَابَيْ الْغَصْبِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا ، أَوْ يُقْطَعُ بِعَدَمِ الضَّمَان ؛ إذْ لَيْسَ فِي الْفَتْوَى إلْزَامٌ وَلَا إلْجَاءٌ .

  3. (الثَّالِثَةُ ) يَحْرُمُ التَّسَاهُلُ فِي الْفَتْوَى .

    (الثَّالِثَةُ ) يَحْرُمُ التَّسَاهُلُ فِي الْفَتْوَى .

    وَمَنْ عُرِفَ بِهِ حَرُمَ اسْتِفْتَاؤُهُ .

    فَمِنْ التَّسَاهُلِ : أَنْ لَا يَتَثَبَّتَ ، وَيُسْرِعَ بِالْفَتْوَى قَبْلَ اسْتِيفَاءِ حَقِّهَا مِنْ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ ، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ مَعْرِفَتُهُ بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ فَلَا بَأْسَ بِالْمُبَادَرَةِ ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا نُقِلَ عَنْ الْمَاضِينَ مِنْ مُبَادَرَةٍ .

    وَمِنْ التَّسَاهُلِ أَنْ تَحْمِلَهُ الْأَغْرَاضُ الْفَاسِدَةُ عَلَى تَتَبُّعِ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ الْمَكْرُوهَةِ ، وَالتَّمَسُّكِ بِالشُّبَهِ طَلَبًا لِلتَّرْخِيصِ لِمَنْ يَرُومُ نَفْعَهُ ، أَوْ التَّغْلِيظِ عَلَى مَنْ يُرِيدُ ضَرَّهُ ، وَأَمَّا مَنْ صَحَّ قَصْدُهُ فَاحْتَسَبَ فِي طَلَبِ حِيلَةٍ لَا شُبْهَةَ فِيهَا ، لِتَخْلِيصٍ مِنْ وَرْطَةِ يَمِينٍ وَنَحْوِهَا فَذَلِكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ .
    وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ نَحْوِ هَذَا ، كَقَوْلِ سُفْيَانَ إنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَنَا الرُّخْصَةُ مِنْ ثِقَةٍ .

    فَأَمَّا التَّشْدِيدُ فَيُحْسِنُهُ كُلُّ أَحَدٍ ، وَمِنْ الْحِيَلِ الَّتِي فِيهَا شُبْهَةٌ وَيُذَمُّ فَاعِلُهَا : الْحِيلَةُ السُّرَيْجِيَّةِ فِي سَدِّ بَابِ الطَّلَاقِ .

  4. (الرَّابِعَةُ) يَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْتِيَ فِي حَالِ تَغَيُّرِ خُلُقِهِ

    (الرَّابِعَةُ) يَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْتِيَ فِي حَالِ تَغَيُّرِ خُلُقِهِ ، وَتَشْغَلُ قَلْبِهِ ، وَيَمْنَعُهُ التَّأَمُّلَ .

    كَغَضَبٍ ، وَجُوعٍ ، وَعَطَشٍ ، وَحُزْنٍ ، وَفَرَحٍ غَالِبٍ ، وَنُعَاسٍ ، أَوْ مَلَلٍ ، أَوْ حَرٍّ مُزْعِجٍ أَوْ مَرَضٍ مُؤْلِمٍ ، أَوْ مُدَافَعَةِ حَدَثٍ .

    وَكُلِّ حَالٍ يَشْتَغِلُ فِيهِ قَلْبُهُ وَيَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الِاعْتِدَالِ.

    فَإِنْ أَفْتَى فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الصَّوَابِ جَازَ وَإِنْ كَانَ مُخَاطِرًا بِهَا .

    يتبع ..

  5. (الْخَامِسَةُ) الْمُخْتَارُ لِلْمُتَصَدِّي لِلْفَتْوَى أَنْ يَتَبَرَّعَ بِذَلِكَ .

    (الْخَامِسَةُ)
    الْمُخْتَارُ لِلْمُتَصَدِّي لِلْفَتْوَى أَنْ يَتَبَرَّعَ بِذَلِكَ .

    وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ رِزْقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَلَهُ كِفَايَةٌ ، فَيَحْرُمُ عَلَى الصَّحِيحِ .
    ثُمَّ إنْ كَانَ لَهُ رِزْقٌ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ أُجْرَةٍ أَصْلًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رِزْقٌ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ أُجْرَةٍ مِنْ أَعْيَانِ مَنْ يُفْتِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَالْحَاكِمِ .
    وَاحْتَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقَالَ : لَهُ أَنْ يَقُولَ : يَلْزَمُنِي أَنْ أُفْتِيَك قَوْلًا ، وَأَمَّا كِتَابَةُ الْخَطِّ فَلَا ، فَإِذَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى كِتَابَةِ الْخَطِّ جَازَ .
    قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْخَطِيبُ : لَوْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْبَلَدِ فَجَعَلُوا لَهُ رِزْقًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى أَنْ يَتَفَرَّغَ لِفَتَاوِيهِمْ جَازَ ، أَمَّا الْهَدِيَّةُ فَقَالَ أَبُو مُظَفَّرٍ السَّمْعَانِيُّ لَهُ قَبُولُهَا ، بِخِلَافِ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ حُكْمُهُ .
    قَالَ أَبُو عَمْرٍو : يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ قَبُولُهَا إنْ كَانَتْ رِشْوَةً عَلَى أَنْ يُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُ كَمَا فِي الْحَاكِمِ وَسَائِرِ مَا لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ .
    قَالَ الْخَطِيبُ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْرِضَ لِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِتَدْرِيسِ الْفِقْهِ وَالْفَتْوَى فِي الْأَحْكَامِ مَا يُغْنِيهِ عَنْ الِاحْتِرَافِ ، وَيَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ مِائَةَ دِينَارٍ فِي السَّنَةِ .

  6. (السَّادِسَةُ) لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ فِي الْأَيْمَانِ وَالْإِقْرَارِ وَنَحْوِهِمَ

    (السَّادِسَةُ)

    لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ فِي الْأَيْمَانِ وَالْإِقْرَارِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَلْفَاظِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ اللَّافِظِ ، أَوْ مُتَنَزَّلًا مَنْزِلَتَهُمْ فِي الْخِبْرَةِ بِمُرَادِهِمْ مِنْ أَلْفَاظِهِمْ وَعُرْفِهِمْ فِيهَا .

  7. (السَّابِعَةُ) لَا يَجُوزُ لِمَنْ كَانَتْ فَتْوَاهُ نَقْلًا لِمَذْهَبِ إمَامٍ

    (السَّابِعَةُ)
    لَا يَجُوزُ لِمَنْ كَانَتْ فَتْوَاهُ نَقْلًا لِمَذْهَبِ إمَامٍ إذَا اعْتَمَدَ الْكُتُبَ أَنْ يَعْتَمِدَ إلَّا عَلَى كِتَابٍ مَوْثُوقٍ بِصِحَّتِهِ .

    وَبِأَنَّهُ مَذْهَبُ ذَلِكَ الْإِمَامِ ، فَإِنْ وَثِقَ بِأَنَّ أَصْلَ التَّصْنِيفِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَكِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ النُّسْخَةُ مُعْتَمَدَةً ، فَلْيَسْتَظْهِرْ بِنُسَخٍ مِنْهُ مُتَّفِقَةٍ ، وَقَدْ تَحْصُلُ لَهُ الثِّقَةُ مِنْ نُسْخَةٍ غَيْرِ مَوْثُوقٍ بِهَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ إذَا رَأَى الْكَلَامَ مُنْتَظِمًا وَهُوَ خَبِيرٌ فَطِنٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ لِدُرْبَتِهِ مَوْضِعَ الْإِسْقَاطِ وَالتَّغْيِيرِ .

    فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ إلَّا فِي نُسْخَةٍ غَيْرِ مَوْثُوقٍ بِهَا فَقَالَ أَبُو عَمْرٍو : يَنْظُرُ فَإِنْ وَجَدَهُ مُوَافِقًا لِأُصُولِ الْمَذْهَبِ ، وَهُوَ أَهْلٌ لِتَخْرِيجِ مِثْلِهِ فِي الْمَذْهَبِ لَوْ لَمْ يَجِدْهُ مَنْقُولًا فَلَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ.

    فَإِنْ أَرَادَ حِكَايَتَهُ عَنْ قَائِلِهِ فَلَا يَقُلْ : قَالَ الشَّافِعِيُّ مَثَلًا كَذَا ، وَلْيَقُلْ : وَجَدْتُ عَنْ الشَّافِعِيِّ كَذَا ، أَوْ بَلَغَنِي عَنْهُ ، وَنَحْوَ هَذَا .
    وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِتَخْرِيجِ مِثْلِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ ، فَإِنَّ سَبِيلَهُ النَّقْلُ الْمَحْضُ ، وَلَمْ يَحْصُلْ مَا يُجَوِّزُ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَهُ أَنْ يَذْكُرَهُ لَا عَلَى سَبِيلِ الْفَتْوَى مُفْصِحًا بِحَالِهِ ، فَيَقُولُ . وَجَدْتُهُ فِي نُسْخَةٍ مِنْ الْكِتَابِ الْفُلَانِيِّ وَنَحْوِهِ .

    قُلْتُ : لَا يَجُوزُ لِمُفْتٍ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذَا اعْتَمَدَ النَّقْلَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِمُصَنَّفٍ وَمُصَنَّفَيْنِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فِي الْجَزْمِ وَالتَّرْجِيحِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُفْتِيَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَنْقُلُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ ، وَلَا يَحْصُلُ لَهُ وُثُوقٌ بِأَنَّ مَا فِي الْمُصَنَّفَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَنَحْوِهِمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، أَوْ الرَّاجِحُ مِنْهُ ؛ لِمَا فِيهِمَا مِنْ الِاخْتِلَافِ ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَشَكَّكُ فِيهِ مَنْ لَهُ أَدْنَى أُنْسٍ بِالْمَذْهَبِ ، بَلْ قَدْ يَجْزِمُ نَحْوُ عَشَرَةٍ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ بِشَيْءٍ وَهُوَ شَاذٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّاجِحِ فِي الْمَذْهَبِ ، وَمُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ ، وَرُبَّمَا خَالَفَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَوْ نُصُوصًا لَهُ ، وَسَتَرَى فِي هَذَا الشَّرْحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْثِلَةَ ذَلِكَ .
    وَأَرْجُو إنْ تَمَّ هَذَا الْكِتَابُ أَنَّهُ يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ كُلِّ مُصَنَّفٍ وَيُعْلَمُ بِهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عِلْمًا قَطْعِيًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

  8. (الثَّامِنَةُ ) إذَا أَفْتَى فِي حَادِثَةٍ ثُمَّ حَدَثَتْ مِثْلُهَا .

    (الثَّامِنَةُ )

    إذَا أَفْتَى فِي حَادِثَةٍ ثُمَّ حَدَثَتْ مِثْلُهَا .

    فَإِنْ ذَكَرَ الْفَتْوَى الْأُولَى وَدَلِيلَهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِ الشَّرْعِ إنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا ، أَوْ إلَى مَذْهَبِهِ إنْ كَانَ مُنْتَسِبًا ، أَفْتَى بِذَلِكَ بِلَا نَظَرٍ ، وَإِنْ ذَكَرَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ دَلِيلَهَا وَلَا طَرَأَ مَا يُوجِبُ رُجُوعَهُ ، فَقِيلَ : لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِذَلِكَ ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ تَجْدِيدِ النَّظَرِ ، وَمِثْلُهُ الْقَاضِي إذَا حَكَمَ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ وَقَعَتْ الْمَسْأَلَةُ ، وَكَذَا تَجْدِيدُ الطَّلَبِ فِي التَّيَمُّمِ ، وَالِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ ، وَفِيهِمَا الْوَجْهَانِ .

    قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي آخِرِ بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ : وَكَذَا الْعَامِّيُّ إذَا وَقَعَتْ لَهُ مَسْأَلَةٌ فَسَأَلَ عَنْهَا ثُمَّ وَقَعَتْ لَهُ فَلْيَلْزَمْهُ السُّؤَالُ ثَانِيًا يَعْنِي عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ : إلَّا أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةً يَكْثُرُ وُقُوعُهَا وَيَشُقُّ عَلَيْهِ إعَادَةُ السُّؤَالِ عَنْهَا ، فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ ، وَيَكْفِيهِ السُّؤَالُ الْأَوَّلُ لِلْمَشَقَّةِ .

  9. (التَّاسِعَةُ) يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْتَصِرَ فِي فَتْوَاهُ عَلَى قَوْلِهِ :

    (التَّاسِعَةُ)

    يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْتَصِرَ فِي فَتْوَاهُ عَلَى قَوْلِهِ : فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ ، أَوْ قَوْلَانِ ، أَوْ وَجْهَانِ ، أَوْ رِوَايَتَانِ ، أَوْ يُرْجَعُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي ، وَنَحْوِ ذَلِكَ .

    فَهَذَا لَيْسَ بِجَوَابٍ ، وَمَقْصُودُ الْمُسْتَفْتِي بَيَانُ مَا يَعْمَلُ بِهِ .

    فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْزِمَ لَهُ بِمَا هُوَ الرَّاجِحُ ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ تَوَقَّفَ حَتَّى يَظْهَرَ ، أَوْ يَتْرُكَ الْإِفْتَاءَ كَمَا كَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ الْإِفْتَاءِ فِي حِنْثِ النَّاسِي .

    انتهى كلامه رحمه الله في هذا الفصل
    التعديل الأخير تم بواسطة العين ; 14-07-2003 الساعة 17:41

  10. هذا كلام لابن حجر الهيتمي رحمه الله فيمن يُفتي من الكتب وهو ليس بأهل لذلك.

    ( وَسُئِلَ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَخْصٍ يَقْرَأُ وَيُطَالِعُ الْكُتُبَ الْفِقْهِيَّةَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْخٌ يُقَرِّرُ لَهُ الْمَسَائِلَ الدِّينِيَّةَ وَالدُّنْيَوِيَّةَ ثُمَّ إنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ مَسَائِلَ دِينِيَّةٍ وَدُنْيَوِيَّةٍ فَيُفْتِيهِمْ وَيَعْتَمِدُ عَلَى مُطَالَعَتِهِ فِي الْكُتُبِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ فِيمَا يُسْأَلُ عَنْهُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فَمَاذَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ ( فَأَجَابَ ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ لِهَذَا الْمَذْكُورِ الْإِفْتَاءُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ عَامِّيٌّ جَاهِلٌ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ بَلْ الَّذِي أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ الْمَشَايِخِ الْمُعْتَبَرِينَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ مِنْ كِتَابٍ وَلَا مِنْ كِتَابَيْنِ بَلْ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا مِنْ عَشَرَةٍ فَإِنَّ الْعَشَرَةَ وَالْعِشْرِينَ قَدْ يَعْتَمِدُونَ كُلُّهُمْ عَلَى مَقَالَةٍ ضَعِيفَةٍ فِي الْمَذْهَبِ فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمْ فِيهَا بِخِلَافِ الْمَاهِرِ الَّذِي أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ أَهْلِهِ وَصَارَتْ لَهُ فِيهِ مَلَكَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ فَإِنَّهُ يُمَيِّزُ بَيْنَ الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِهِ وَيَعْلَمُ الْمَسَائِلَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَمَدِ بِهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُفْتِي النَّاسَ وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَاسِطَةً بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَلْزَمُهُ إذَا تَسَوَّرَ هَذَا الْمَنْصِبَ الشَّرِيفَ التَّعْزِيرُ الْبَلِيغُ وَالزَّجْرُ الشَّدِيدُ الزَّاجِرُ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ الْقَبِيحِ الَّذِي يُؤَدِّي إلَى مَفَاسِدَ لَا تُحْصَى ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

    فهل العوام مثلنا ندخل في هذا المنع ؟؟
    اللهم اهدنا لما اختُلف فيه من الحق بإذنك

  11. جزاكم الله خيرا

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •