قال ابن السبكي في " شرح مختصر ابن الحاجب " في آخر باب الاجتهاد والتقليد :
مسألة : تقليد الشافعي ؛ كإمام الحرمين ، وابن السمعاني ، والغزالي والكيا وغيرهم ، وميل المحققين هنا إلى أن تقليده واجب على طوائف العامة ، وأنه لا عذر لهم عند الله في العدول عنه ، وبه صرح إمام الحرمين في تصنيف لطيف أفرده في ذلك ، وسماه " بمغيث الخلق في اختيار الأحق " .
قال الأستاذ أبو منصور عبدالقاهر بن طاهر التميمي في كتابه " التحصيل في أصول الفقه " ما نصه : وأما الذي يوجب ترجيح مذهب الشافعي على مذهب غيره في الجملة قبل التفصيل ، فدلائل كثيرة .
منها : قوله صلى الله عليه وسلم : " الأئمة من قريش " ، وذلك عام في الخلافة وفي إمامة الدين ، ولم نجد أحداً من أصحاب المذاهب قرشياً غيره ؛ لأن أبا حنيفة من الموالي ، ومالك من الموالي من ذي أصبح ، والنخعي من نخع ،وهم من اليمن ، لا من قريش ، وأحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن شيبانيان ، وهم من ربيعة ، لا من قريش ، ولا من مضر ، والثوري من بني ثور بن عمرو بن أدٍّ ، ومكحول والأوزاعي من الموالي .
وقد اختلف النسابون في قريش ، فقال أكثرهم : هم ولد النضر بن كنانة ، وقال آخرون : هم ولد إلياس بن مضر، وقال آخرون : ولد عدنان كلهم ، قريش دون غيرهم .
وعلى جميع هذه الأقاويل ، يجب أن يكون الشافعي منهم ؛ لأنه من ولد النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
ومنها : قوله تعالى : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) [ البقرة : 218 ] ، وذلك عام في الجهاد بالحِجاج ، والجهاد بالسلاح .
ووجود الجهاد بالحجاج والنظر في أصحاب الشافعي غير خاف ، وهم الذي شرحوا الأصول ، وأوضحوا عن قوانين الجدل ، والشافعي أول من صنف في أصول الفقه ، صنف فيه كتاب " الرسالة " ، وكتاب " أحكام القرآن " ، و " اختلاف الحديث " ، " وإبطال الاستحسان " ، وكتاب " جماع العلم " ، وكتاب " القياس " ، ثم تبعه المصنفون في الأصول ، فاقتدوا به ، ونسجوا على منواله .
والجهاد بالسلاح مخصوص بأهل الثغور ، والسواد الأعظم منهم أصحاب الشافعي ، واعتبر ذلك بثغور الشام ، وبثغور ديار مصر ، وثغور ديار ربيعة ، وثغور أرمينية وأذربيجان ، وثغور طبران والشاش في ناحية الترك ، وغيرها .
وإذا تحقق الجهاد في هذه الطائفة ، ثبت أنهم الذي ضمن الله U لهم الهداية .
ومنها : كثرة الاحتياط في مذهبه ، وقلته في مذهب غيره .
فمن ذلك : الاحتياط في العبادات ، وأعظمها شأناً : الصلاة ، فمن أدى صلاته على مذهب الشافعي ، كان على يقين من صحتها ، ومن أداها على مذهب مخالف ، وقع الخلاف في صحة صلاته من وجوه :
إجازتهم الوضوء في السفر بنبيذ التمر، وتطهير البدن والثوب عن النجاسات بالمائعات ، وأجازوا الصلاة في جلد الكلب المذبوح من غير دباغ ، وأجازوا الوضوء بغير نية ولا ترتيب ، وأسقطوه في مس الفرج والملامسة ، وأجازوا الصلاة على ذرق الحمام مع قدر الدرهم من النجاسات الجامدة ، أو ربع الثوب من البول ، أو مع كشف بعض العورة ، وأبطلوا تعيين التكبير والقراءة .
وأجازوا القرآن منكوساً وبالفارسية ، وأسقطوا وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود والإعتدال من الركوع وبين السجدتين ، والتشهد والصلاة على النبي r في الصلاة مع الخروج عنها بالحديث .
وأبطلنا نحن الصلاة في هذه الوجوه ، وأوجبنا الإعادة على من صلى خلف واحد من هؤلاء ، وهم لا يوجبون الإعادة على من صلى خلفنا على مذهبنا في هذه المسائل . انتهى .
من كتاب (جزيل المواهب في اختلاف المذاهب ) للامام السيوطي رحمه الله
http://islam.jconserv.net/viewtopic....687eebc3ad50bb