رأي محمد عبده في البعث بعد الصاعقة
قال تعالى (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ،فأخذتكم الصاعقة وانتم تنظرون (55)ثم بعثناكم بعد موتكم لعلكم تشكرون (56).
قال الشيخ محمد عبده في تفسير هذه الآية (1/322)المراد بالبعث هو كثرة النسل ،أي أنه بعد ما وقع فيهم الموت بالصاعقة وغيرها وظن أنهم سينقرضون بارك الله في نسلهم ....الخ "اهـ
وهذا التأويل غريب بعيد عن السياق وخلاف الظاهر فإن الظاهر هو أنهم بعثوا بعد موتهم،أي إنهم ماتوا موتاً حقيقياً بالصاعقة، لتعنتهم بطلب الرؤية جهرة، ثم أعاد الله إحيائهم ليكون موعظة لهم. وإنما أصيب بالصاعقة من كان مع موسى عليه السلام، ولم يكونوا جميع بني إسرائيل حتى يخاف انقطاع النسل ليكون مسوغاً لا لحمل البعث الوارد في الآية على المجاز كما زعم محمد عبده !!
مسألة أهل الفترة
قال الشيخ محمد عبده (1/338):" وذهب جمهور الحنفية وكذلك المعتزلة إلى أن أصول الاعتقاد تدرك بالعقل ، فلا تتوقف المؤاخذة عليها على بلوغ دعوة رسول "اهـ
وهذا الكلام غير دقيق، فإنما قال الماتريدية ذلك في الإيمان بالله تعالى، وليس في جميع أصول الاعتقاد. فضلاً عن أنه يوجد فرق بين مبنى المعتزلة ومبنى الماتريدية في هذا القول ،فالمعتزلة بنوه على الحسن والقبح الذاتيين، والماتريدية بنوه على وضوح الدلائل وقيامها مقام الرسالة في ذلك أي في الكشف عن حكم الله الثابت بقوله.
قال(1/339):" ولا يعقل أن يكون مَن لم تبلغهم الدعوة بشرطها أو مطلقاً ناجين على سواء وأن يكونوا كلهم في الجنة كأتباع الرسل في الإيمان الصحيح والعمل والصالح، إذ لو صح ذلك لكان بعث الرسل شراً من عدمه بالنسبة إلى أكثر الناس"اهـ.
أما قوله أنه غير معقول، فإن قصد أنه محال، فقوله مجرد دعوى لا دليل عليها، كيف يكون محالاً وقد ثبت أن الله الفاعل المختار لا تحجير عليه في أفعاله، فإن شاء أن يدخلهم الجنة، فلا رادَّ لحكمه ولا معقب لقضائه.
وأما استلزام كون بعث الرسل شراً، فإن هذا الكلام مجرد مغالطة مكشوفة، فإن إرسال الرسل يتبعه أن يؤمن البعض ويكفر البعض، بغض النظر من الأكثر، أهم المؤمنون أم الكافرون، وهذا بغض النظر عن حكم أهل الفترة، يعني سواء وجدوا أم لا، وسواء أدخلهم الله تعالى أم لا. فمن اتبع الرسل نجا ومن أبى عوقب، فلو كان ترتب العقاب شراً لكان شراً مطلقاً بغض النظر عن حكم أهل الفترة، والقائل بذلك يقدح في أصل عظيم من أصول الدين وهو إرسال الرسل.
والشيخ محمد عبده كما هو واضح يبني على أن الحسن والقبح ذاتيان، وهذا مبدأ باطل من مبادئ الاعتزال.
ثم قال (1/ 339):" والمعقول الموافق للنصوص أن الله تعالى يحاسب هؤلاء اللذين لم تبلغهم دعوة ما بحسب ما عقلوا واعتقدوا من الحق والخير ومقابلهما"اهـ.
هذا ظاهر أنه يبنيه على الحسن والقبح العقليين خلافاً لأهل السنة، وهو ظاهر في أنه يعمم ذلك في كل شؤون الحياة لا في أصول الدين الاعتقادية فقط.وهو غلوٌّ.