بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد أفضل الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فلما كان الدين هو العلم والعمل بالعلم، وكان رأس العمل الإخلاص، وهو العمل على حسب الشريعة ظاهرا وباطنا. وهو المقصود بالتصوف عند أهل الحق، أحببت أن أنقل لكم بعض ما ذكره الإمام الشعراني في هذا الباب من كتابه المسمى بـ"تنبيه المغترين أواخر القرن العاشر على ما خالفوا فيه سلفهم الطاهر"، ونعلق على ما ننقله بحسب ما يقع في البال، داعين الله تعالى أن يوفقنا إلى ما فيه رضاه، وأن يحسن خاتمتنا، وهو اللطيف الخبير.
هذا الكتاب قال الإمام الشعراني معرفا به ص3:"فهذا كتاب نفيس صغير الحجم كبير القدر ضمنته جملة صالحة مما كان عليه السلف الصالح من صفات معاملتهم مع الله تعالى ومع خلقه، وحررته على الكتاب والسنة تحرير الذهب والجوهر، وذلك بحسب فهمي حال التأليف، فهو كالكتاب المسمى المنهاج للإمام النووي في الفقه، فكما أن علماء العصر يفتون الناس بما فيه وما حوى من الترجيحات كذلك علماء الصوفية رضي الله عنهم يفتون بما في هذا الكتاب من النقول المحررات الجيدات، فإني شيدت أخلاقه بأفعال السلف الصالح من الصحابة والتابعين والعلماء العاملين رضي الله عنهم أجمعين."اهـ
وفي هذه الفقرة نعرف أسلوب الشعراني في هذا الكتاب، فهو قد حرره على حسب فهمه من الكتاب والسنة، كما صنع في غيره من كتبه كما في كشف الغمة، وغيره، وهدفه من الكتاب أن يظهر أن حقيقة التصوف هو الالتزام الخلقي بأحكام الكتاب والسنة ظاهرا وباطنا، ويستأنس في ذلك بما نقله عن السلف الصالح، لأنهم مشهود لهم، فهم أنس لنا في حسن فهمنا. وليس التصوف عقيدة جديدة في جانب عقيدة أهل السنة (أعني الأشاعرة والماتريدية). بل هو عمل بهذه العقيدة عينها، وعمل بالأحكام التي استنبطها فقهاء الملة المشهود لهم وعلى رأسهم الأئمة الأربعة المعروفون.
وقد ذكر الشعراني رحمه الله تعالى في ص5 أن السلف الصالح من الصوفية والزهاد العاملين، كانوا "لا يقبلون شيئا من أموال الولاة ولو كان في غاية الضيق بل يطوي يوجوع حتى يجد شيئا من الحلال"اهـ . ومن الواضح أن هذا التصرف منهم إنما كان لا لوجوب البعد عن الولاة الصالحين، بل هذا خاص بمن كان من الولاة غير صالح، فإن ماله الذي يعطيه قد يكون حراما، وإنما يعطيه ليستعمل هؤلاء الصوفية فيما فيه منفعته هو لا في منفعة الدين، ولذلك كان هؤلاء الصالحون يبتعدون عنه، ويصبرون على أنففسهم حتى يجدوا حلالا، والتعبير بالحلال في كلامه يدل على ما فهمناه كما هو ظاهر.
وإنما قلنا إنه لا يجب البعد عن الولاة الصالحين، لأن من كان صالحا من الولاة فيجب على العلماء والصالحين أن يعينوه في عمله، ولا يجوز لهم أن يبتعدوا عنه ويتركوه، فإنهم بهذا يفتحون بابا عظيما لغيرهم من الفاسدين ليملأوا محلهم الفارغ. ولكن الاحتراز واجب وعظيم الخطر، في ادعاء صلاح بعض العمال والولاة أو غيرهم من القائمين على الأعمال العامة للمسلمين، كما يقول الشعراني عن زمانه، فكيف بنا في هذا الزمان، بل لا قياس. ولا نعمم القول على الجميع، فلا يخلو بعض الناس من خير.
والله الموفق.