بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله،
سؤالك: (هل هناك فرق بين البديهة والفطرة وذلك من حيث كونهما من وسائل المعرفة؟)
الجواب: ليست البديهة ولا الفطرة يا أخي حائر من وسائل المعرفة. وأما وسائل المعرفة العلميّة أو أسباب المعرفة أو طرقها كما يعبر عنها أحياناً فهي: الحواس السليمة، والخبر الصادق (وهو خبر الرسول المؤيّد بالمعجزة، والخبر المتواتر)، والعقل.
وأما البداهة فهي المعرفة الحاصلة للنفس من غير نظر وفكر ورويّة. كعلمك بأن الواحد نصف الإثنين. فكل معرفة تحصل عليها دون نظر وفكر تسمّى بداهة، أو علم بدهيّ، والقضايا المنطقيّة التي هذا شأنها، أي التي يصدّق بها مباشرة أو مع التنبيه عليه بأدنى إشارة تسمّى بدهيّات أو بديهيّات أو قضايا بديهيّة. وقد يعبر عن البديهيّ أحياناً بالضروريّ، مع أنّ البديهيّ أخصّ من الضروريّ فانتبه لذلك.
وأما الفطرة: فهي الصفة التي يتصف بها كل موجود في أول زمان خلقته.
ومما مضى تعلم أن البداهة معرفة وليست طريقاً للمعرفة. وفرق كبير بين المعرفة وطريق المعرفة.
وكذلك تعلم أن الفطرة ليست علماً ولا طريقاً للعلم بمعنى الوسيلة. لأن الله تعالى يقول: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً) وهذا نصّ في أن الإنسان عند ولادته لا يكون لديه أدنى علم من العلوم. ولكن الله تعالى فطر الإنسان أي خلقه بحيث يكون قابلاً للتعلّم وقادراً على تحصيل المعارف، بأن وهبه الحواس الخمس والعقل. ومع الحواس يستطيع أن يسمع الخبر ويقرأه في الكتب. ومع العقل يفكر في كل ما يرى ويلمس ويتذوق ويحس ويشاهد فتحدث فيه عادة باستعمال عقله علوم جديدة، وهكذا تتراكم عنده المعارف. فالفطرة ليست طريقاً للمعرفة، ولكن جزءاً من فطرة الإنسان هو الاستعداد للمعرفة من طريق العقل والحواس.
سؤالك: ما الفرق بين الشروط العادية و العقلية؟
أفول: الشرط مطلقاً سواء كان عقلياً أو عاديّاً أو غير ذلك هو: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم. فإذا قلنا إن شرط احتراق الخشب هو مماسة النار له. فإنك تلاحظ أنّ عقلك يمكنه أن يتصوّر أن تحترق الخشبة دون نار تماسها. فتعلم أن هذا الشرط ليس شرطاً عقليّاً ولكنه شرط عاديّ. أي أنّ العادة أو القانون الطبيعي المتكرر المعروف أن الخشبة لا تحترق بالنار إلا إذا مسّت النار الخشبة.
فالشرط العاديّ إذاً هو ما لا يتصور حدوث المشروط عادة إلا إذا حدث، ولا يلزم من حدوثه عادة حدوث المشروط. فتلاحظ أنّه يمكن أن تماس النار الخشبة ولا تحترق الخشبة لوجود مانع من الاحتراق ككون الخشبة مبللة بالماء مثلاً.
وأما الشرط العقليّ فهو ما لا يتصوّر في العقل حدوث مشروطه مطلقاً إلا إذا حدث، ولا يلزم من حدوثه حدوث المشروط أو عدم حدوثه. ومثاله:
(أ + ب) = جـ
فإن من شروط صحة هذه المعادلة أن يكون (أ + ب) ليس أكبر من جـ.
وهذا الشرط لا يمكن أن تصح المعادلة إلا بحصوله، ولكنك تلاحظ أنه حتّى مع تحقق هذا الشرط، فلا يجب أن تكون العبارة صحيحة. لأنّه قد يكون (أ+ب) أقل من جـ، فلا تكون العبارة صحيحة مع تحقق الشرط الذي ذكرناه.
وإذا كنت لا تحب الرياضيات فهذا مثال آخر يقرّب المفهوم، إن من شروط حدوث الحادث أي وجود الشيء بعد أن لم يكن موجوداً هو كون ذلك الشيء ممكناً في نفسه. فلو كان مستحيل الوجود فلا يمكن أن يحدث. فيكون إمكان الشيء لذاته شرطاً عقلياً لوجوده. ومعنى إمكان الشيء لذاته هو أن يتصور العقل وجوده وعدمه.
وإنما قلنا إن إمكان الشيء لذاته شرط لحدوثه لأنه لو لم يكن الشيء ممكناً في نفسه لم يحدث، كوجودك أنت نفسك في مكانين في زمان واحد، فهذا الأمر مستحيل لذاته ولا يتصور العقل حدوثه، فلما اختل شرط إمكان هذا الأمر صار حدوثه مستحيلاً عقلاً.
وتلاحظ أنه إذا كان الأمر ممكناً في نفسه فإنه لا يلزم من إمكانه حدوثه. ألا ترى أنه من الممكن عقلاً أن يوجد بحر من زئبق، وأن يكون لك مائة من الأولاد، وأن تكون رئيساً لأمريكا، ولكن مجرّد إمكان هذه الأشياء عقلاً لا يلزم منه عقلاً وجودها.
وإذا فهمت معنى الشرط مطلقاً، صارت الأمور سهلة، والفرق بين الشرط العقليّ والشرط العاديّ هو أن التلازم بين عدم الشرط وعدم المشروط إذا لم ينفك في العقل كان الشرط عقلياً. وإذا انفكّ بينهما في العقل كان الشرط عاديّاً. والمعنى أنه إن بقي التلازم بين عدم الشرط وعدم الشروط في حكم العادة فقط وارتفع في العقل فذلك شرط عاديّ، وإلا فإن بقي التلازم بين عدم الشرط وعدم المشروط دائماً في العقل فذلك شرط عقليّ.
واقرأ هذا الكلام فإن لم تحصّله من أول مرّة فكرّر قراءته عدّة مرّات، واتركه وعد إليه حتّى تحصّله. فإنما يفتح الله سبحانه وتعالى على المجدّ المثابر صادق النيّة. وإن بقي لك من سؤال فيسعدني أن أساعدك.
سؤالك: (حبذا لو شرحتم لي معنى المتضايفين)
أقول: المتضايفان هما الأمران اللذان لا يدرك كلّ واحد منهما إلا بالإضافة إلى الآخر. كالأبوّة والبنوّة. فإنك لا تدرك معنى الأب إلا إذا أضفته إلى الابن، وكذا لا تدرك معنى الابن إلا إذا أضفته إلى الأب.
ويطلق لفظ المتضايفات يا أخي حائر رفع الله عنك حيرتك على المفاهيم النسبية كالطويل فإنك لا تعقل أنه طويل إلا بالنسبة إلى شيء آخر، وكذا العريض، والعميق، والكثير. فالكثير بالنسبة إلى شيء قد يكون قليلاً بالإضافة إلى شيء آخر، وهكذا.
وتلك كانت إجابات أسئلتك دون تطويل ممل ولا تقصير مخلّ إن شاء الله تعالى. ولعلّه يجدر بك إذا كنت مهتماً بطلب العلوم وفهم هذه المباحث أن تقتني بعض كتب الحدود، ككتاب التعريفات للشريف الجرجاني، أو كتاب الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة للشيخ زكريا الأنصاري، وهنالك كتاب مختصر في الحدود للعلامة السعد التفتازاني موجود على موقع الرازي يمكنك أن تحصل على نسخة إلكترونية منه. ومن أنفع الكتب على الإطلاق وهو كنز في بابه كتاب الكليّات للعلامة أبي البقاء الكفويّ رحمة الله تعالى على علمائنا أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ وأنت خير الفاتحين