بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
لقد تابعت باهتمام كبير حوارات سماحة الشيخ سعيد فودة مع الأخ الكريم نزار بن علي و أعجبت بنفسهما الصبور في الحوار
و قد اتضح بهذا النقاش صحة مذهب الجمهور في القول بحدوث تعلقات السمع والبصر الالهيين بالحوادث من متعلقاتهما دون أن يلزم من ذلك حدوث الصفتين أو قيام الحوادث بالذات الأقدس ولله الحمد والمنة
لكن هنا لي تعليق و أرجو أن يتسع له صدر سماحة الشيخ سعيد فودة ويحتمل جهلي وقلة علمي :
بالنسبة لقضية زيادة السمع والبصر على العلم كان هذا العبد الفقير ميالاً لارجاعهما إلى صفة العلم لأنني لم أر أي ضرورة عقلية لاثباتهما زيادة على العلم وبالفعل لا يوجد حتى الآن على حد معرفتي المتواضعة أي دليل عقلي محض على اثباتهما زيادة على العلم
لكن أعادني إلى اليقين بثبوتهما الزائد على العلم كلام لسماحة الشيخ سعيد فودة في معرض مناقشته لآراء الفرق المختلفة حول مسألة الرؤية حيث يقول في رده المفحم على الاباضية :
حَمَلَ السالمي قول بعض أصحابه من الإباضية عندما قالوا: المقصود بالرؤية في الحديث الوارد إنما هو العلم، وفهم من هذا العلم فقط أي زيادة استدلالات وزيادة طمأنينة للقلب، فإن كان هذا هو المعنى الذي يريدونه، فنحن نخالفهم فيه، بل الرازي والغزالي يخالفانهم فيه أيضاً، ولعله يحمل الرؤية على هذا المعنى فقط؛ لأنه يعتقد أنه يعلم جميع صفات الله تعالى، ويتعقل كمالاته كلها؟! ولكنه إذا كان يعتقد ذلك، فهو اعتقاد باطل، وهذا عين القول بأن العلم بالحقيقة حاصل، ولكنه نفى ذلك كما رأينا، إذن يتبين لنا أن كلامه فيه تناقض من بعض الجهات.
والحق كما يلي: أننا لا نعرف عن الله تعالى إلا بعض الأحكام، ولكن نقول أيضاً إن كمالات الله تعالى لا يحيط بها أحد، ولذلك فلا يستحيل عقلاً أن يعلمنا الله علماً ضرورياً ما غاب عنا، وهذا هو خلاصة معنى الرؤية
انتهى
فحسب ما فهمته من كلام الشيخ سعيد فودة أنه لا يمكن للعقل معرفة كل الأحكام المتعلقة بالذات الالهية وصفاتها فثمة ما هو غائب منها عن ادراكنا العقلي وليس معنى الرؤية أو لازمها سوى ادراك ضروري لبعض هذه الأحكام الغائبة عن ادراكنا العقلي الاستدلالي
إذاً فعدم الضرورة العقلية لاثبات صفتي السمع والبصر ليس معادلاً لضرورة عدم اثباتهما زيادةً على العلم
فالدليل العقلي هنا ليس دليل ايجاب بل دوره فقط عدم الممانعة
أي قد ورد الدليل الشرعي بثبوتهما لله تعالى والظاهر الذي كانت الناس وما تزال تفهمه هو مغايرتهما للعلم فيكفي هنا ألا يمانع العقل من اثباتهما لكي يجب اثباتهما شرعاً سيما و أن السادة الأشاعرة الكرام لا يقتصرون على العقل المحض بل الأصل عندهم هو النقل وضرورة إجرائه على الظاهر ما لم يمنع العقل وهذا ما يميزهم عن المعتزلة وعن الحشوية معاً
فالعقل لا يحيط بكل الكمالات الالهية
ونحن مفتقرون للخبر الصادق وللرؤية للحصول على مزيد علم بالله تعالى وصفاته على العلم الحاصل بمحض العقل
إذاَ فصحيح أن صفتي السمع والبصر لا يمكن للعقل أن يصل إلى إثباتهما على نحو إثبات صفات العلم والكلام والقدرة والاردة والحياة لله تعالى
ولكن هذا ليس كافياً لنفي زيادتهما على العلم مع ورود النص عليهما وكون الأصل في النص هو الحقيقة والتأسيس
إذ السؤال هنا : سلمنا ألا موجب عقلياً لهما لكن ما المانع العقلي من انكشاف الموجودات المسموعة والمرئية لله تعالى عند وجودها انكشافاً زائداً على الانكشاف الحاصل بالعلم الأزلي مع تسليمنا بأن هذا الانكشاف الزائد لا يزيد من انكشافها بالعلم أي لا يزيد العلم الالهي بها ؟ صحيح أنه لا ضرورة له عقلاً لكن هل من مانع ؟
فعدم وجود هذا المانع هو بحد ذاته دليل عقلي على ضرورة ابقاء النص المثبت لهما على حقيقته التأسيسية
إنني لأشعر بالخجل عندما أكشف عن جهلي بحضرة سماحة الشيخ سعيد فودة ولكن ما يدفعني للحديث عن هذا الأمر أنه أمر عقيدة أشعر بمسؤوليتي عنها أمام الله تعالى وأنني سأحاسب عنها في الآخرة وليس الرغبة في استجرار المناقشات والمجادلات
هذا ما يعنيني : تكوين العقيدة الصحيحة
غفر الله لي ولكم ولجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم
صلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه دائماً أبداً عدد ما ذكره الذاكرون وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون