المسألة الرّابعة:
في هذه المسألة عرض الكاتبان لما ذكره الشّيخ سعيد من الدليل العقليّ على صفات السمع والبصر والكلام، حيث قال: [فلأنه تعالى لو لم يتّصف بهذه الصّفات لزم أن يتّصف بأضدادها التي هي الصمم والعمى والبكم] اهـ
فقال نذير: [قلت: وهذا ركيك من وجوه:
أولاً: هذا إلزام بقياس الخالق على المخلوق وهو باطل. واضطرّ سعيد مرغماً إلى الاعتراف بذلك في تهذيب السنوسيّة، إذ قال: [قال البيجوريّ: وقد تقدّم ضعف ذلك بأنّه لا يلزم من كونها نقائض في الشاهد أن تكون نقائض في الغائب]، وعن البطاوري: [وحاصله أنّ كون أضدّاد تلك الصّفات نقائص إنّما هو بالنّسبة إلى المخلوق، ولا يلزم من كون الشيء نقصاً في حقّ المخلوق كونه كذلك بالنسبة إلى للخالق جلّ وعلا] فنقض سعيد غزله بيده، وبدّد قواعده بيده! فانهدمت نظرياته التي يزعم بأنّها عقليّة ومنطقيّة] اهـ كلام نذير
فأقول: لقد رأيت ألواناً من النقد، أمّا هذا القدر من الوقاحة فإنّه مدهش. فالشيخ سعيد وضع متن السنّوسيّة كما هو في كتابه، ولخّص كلام الشّراح على المتن كما سبق وذكرنا أكثر من مرّة. ثمّ حقّق المسألة في الحاشية، بأن ذكر التحقيق فيها نقلاً عن الباجوري والبطاوري الذي يقدح في حواشيهم حسن وأعوانه. وفعله هذا هو أحسن ما يتوقّع أن يصدر عن شارح أو مهذّب لشرح كتاب. فبالله ماذا كان عليه أن يفعل وهو يهذّب شرح السنوسيّة، كي يرضى عنه هذان السّاخطان!
فيأتي هذان لينتقدا فعله بلا وجه حقّ، مطالبين إياه بأن يثبت ما أثبته بالفعل، ومعيدين على مسامعنا ما قاله هو بالفعل في الحاشية، وهي المكان الصحيح لأن يثبت الشيخ رأيه وما يراه محققاً ومعتمداً حال كونه شارحاً أو مهذباً لشرح. ويجتّران ما حققه المحشّون الذين لا يرون في حواشيهم فائدة تطلب وترجى بركاكة وسماجة. أفهكذا يكون النقد، والبحث؟! وأيّ وجه لمعيد كلام المتكلّم مطالباً إياه بأن يقول ما قاله بلسانه! ألا ترون في هذا علكاً لما لفائدة ترجى منه، وكلاماً لمن لا يجد ما يقوله من عند نفسه، وقصر قامة عن النيل من حصن منيع. سبحان الله ما أهون بعض النفوس على أصحابها.
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ وأنت خير الفاتحين