ـسـم الله الـرحـمـن الـرحـيـم
الـحـمـد لله رب الـعـالـمـيـن و صلى الله وسلم وبارك عـلـى أشـرف الأنـبـيـاء و الـمـرسـلـيـن
ســـيـدنـا و مـولانـا وحـبـيـبـنـا و قـرة أعـيـنـنـا مـحـمـد و عـلـى آلــه و صـحـبـه والتابعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه مقالة نشرتها في صحيفة الرأي الأردنية أشرت فيها إلى موقف الإمام محمد زاهد الكوثري رحمه الله ورؤيته البعيدة لما نحن فيه الآن. ولقد وضعتها في هذا القسم لكون وصفه يتناول "نقد الأفكار المعاصرة". وأرحب بالنقد الهادف من الإخوان.
عبارة «الإرهاب الإسلامي».. خطأ شائع وذريعة للإرهاب
ليس من المستبعد أن يكون كل إنسان في العالم بعد أحداث 11 أيلول قد قرأ مئات المقالات وسمع آلاف الأخبار التي تتردد فيها عبارات مثل: «الإرهاب الإسلامي» أو «الإرهابيين الإسلاميين». والذي يثير العجب أن الذين يرددون هذه العبارات هم أنفسهم الذين يحاربون الإرهاب ويناهضونه. فماذا جرى للعقول وأين اختفى المنطق البشري العام؟!
لقد قال جورج بوش أكثر من مرة أن الإسلام دين سلام وقال توني بلير أن الإرهابيين لا يمثلون الإسلام. وكذلك اتفق قادة العالم على هذا المعنى ومن بينهم طبعا العرب والمسلمون أنفسهم. فلماذا يا ترى ما زلنا نسمع في الخطابات السياسية والثقافية ومن خلال وسائط الإعلام أن هذا الإرهاب «إسلامي»؟! أليس في هذا تناقض كبير ... بلى إنه لتناقض كبير وخطير جدا. فنحن بإعطائنا الإرهاب وصف «الإسلامي» قد أعطينا الإرهابيين مرجعية إسلامية وكأن هنالك قولا معتبرا لعلماء الإسلام يجيز قتل المدنيين وغير المحاربين من مسلمين وغير مسلمين. لقد أعطينا الإرهابيين وساما شريفا لا يستحقونه.
تجتاح العالم اليوم ثقافات دفاعية ضد الإرهاب تتنوع بتنوع العقول ودرجات استنارتها. ولكن من أخطر هذه الهجمات تلك التي تخلط بين الإسلام والإرهاب وتظن أنها قد قرأت الإسلام من مصادره فعرفت أن هنالك نصوصا إسلامية مقدسة تشجع على الإرهاب فخالت أنها قد وضعت يدها على الداء، وما عليها سوى أن تقتلعه من جذوره. ومن عجب أنك تسمع من دعاة هذه الهجمة دعوات إلى «إبادة المسلمين» « والقضاء على الإسلام» و«ضرب المقدسات الإسلامية» وغير ذلك من أحلام مريضة. والملاحظ أن منابع هذه الهجمة في الغالب هي الولايات المتحدة وإسرائيل والهند كونها أكثر الدول غير الإسلامية تضررا من ظاهرة الإرهاب. بعض من يكتب ويتحدث من هذا المنطلق قد قرأ في مصادر الإسلام بسطحية شديدة يستطيع أن يكتشفها أي ملم نزيه في علوم القرآن والحديث. ولذلك فإنك لن تستطيع أن تفرق بسهوله بين الغبي من هؤلاء والمتغابي، وبين صاحب الأجندة الهرمجدونية الصدامية _ و«هرمجدون» هي الملحمة التوراتية الكبرى الممهدة لنهاية العالم بحسب اعتقاد اليمين المسيحي الصهيوني في أميركا - المتعمد للي النصوص واقتطاعها من سياقها وحملها ما لا تحمل والاستشهاد بما ليس بشاهد على فكرته، وبين السطحي الذي يقفز إلى الأحكام من غير روية ولا إلمام.
والغالب أن الأكثرية هي من الفريق الثاني السطحي الذي يمكن وصفه بالقارىء الإمعة المتأثر بإعلام الفريق الأول الساعي إلى الصدام والذي لا يرى الحياة ممكنة بغير عدو. والغريب أنك تسمع من الفريقين مفاهيم خطيرة مثل قولهم أنه «لا يوجد مسلم معتدل، وحتى إن وجد فإنه مشروع إرهابي»، يقولون ذلك رغم ما يدركونه من استنكار أغلبية المسلمين للإرهاب! ولا يدري هؤلاء أنهم بذلك إنما يشجعون الإرهاب ويحولون القارىء المسلم إلى قارىء مستفز ربما ترميه حالة الاستفزاز المستمر هذه إلى أحضان الإرهاب يوما ما، خاصة إذا كان من ضعاف العقول. في حين يظنون أنهم سيقضون على الإرهاب بهذه الطريقة.
كما أنهم يتعمدون تشويه الإسلام بكتبهم ومقالاتهم ومحاضراتهم وتزوير الحقائق وتحريف التاريخ فتنطلي خدعتهم على السذج من الغربيين الذين يجهلون تاريخ بلادهم فضلا عن أن يلموا بشيء عن تاريخ الإسلام وحضارته. ولقد تطور الأمر ببعضهم من القال إلى الأفعال كتدنيس المصحف الشريف، وتعذيب الأسرى المسلمين بما يستفز مشاعر الدين والشرف. ظانين أنهم بذلك سينتهون من الإرهاب، بيد أنهم يصنعون من المسلم المعتدل إرهابيا يريد القتل والانتقام بأي شكل. ففضيحة «أبو غريب» مثلا ستظهر تداعياتها فيما بعد وسيعلم كل من شارك في تلك الإعمال المشينة أي خطأ ارتكب وأنه قد صنع نفوسا إرهابية ربما ما زالت في الأرحام. فإما أن يكونوا بدرجة عالية من الغباء بحيث لا يدركون أنهم يبرمجون أعداءهم ليفجروهم وإما أن تكون هنالك أيد خفية، الله أعلم بها، تغرر ببعض المسلمين وتستخدمهم كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية أو ربما أيديولوجية أو أساطيرية ويهمها أن يؤول الأمر إلى مواجهة عالمية تنتهي لصالحهم. هل هذا الكلام من باب «نظرية المؤامرة»؟ نعم، فإن هذه النظرية التي أصبحت تخيف البعض إلى حد البله لا تخيفنا ولا ننفي صحتها دائما. والذي تعود استيراد المعلبات الغربية لا يضره شيئا أن ينظر في تاريخ صلاحيتها وأن يتأكد من مكوناتها.
للأسف، ما زال تعامل العالم مع ظاهرة الإرهاب سطحيا إلى أبعد الحدود، فنحن _ كمسلمين- وإن كنا نعترف أن بعض المسلمين إرهابيون إلا أننا لا نقول بأن الإرهاب مقتصر على المسلمين. ولكن غير المسلمين من الإرهابيين هم إرهابيون فحسب ولا ينسبهم الإعلام إلى دينهم وهذا طبعا للحفاظ على مشاعر من يشترك معهم في الديانة! ولا نقول أن كل جهاد لعدو ومقاومة لمحتل إرهاب فهذه خدعة ثانية ولها قصة أخرى يحاول بها أعداء الأمة خلط الاوراق وتلبيس الأمور من باب: «إن لم تقنعهم فحيرهم».
نحن نتفق مع توني بلير في قوله: «لا يوجد أي مبرر لقتل المدنيين الأبرياء» ولكنا لا نسمع منه هذه العبارة و ذلك الجزم عندما يكون القاتل للمدنيين هو أو حليفه بوش! فهو يرى أن قتل جيوشه للمدنيين من ضرورات الحرب التي لا يمكن تجنبها، مع أن هذا نفسه هو منطق الإرهابيين. إلا أنه ربما يتذرع بأنه وحليفه يقتلون المدنيين «دفاعا عن النفس» «وصيانة للحرية»، ولكن هذه هي نفسها ذريعة الإرهابيين. وهنا لا نجد أنفسنا إلا أمام مسألة: من البادىء؟! ولن تسمع قولا أشد بؤسا من قول الطيارين الأمريكيين الهرمين الذين حصدوا أكثر من مائتي ألف من المدنيين في هيروشيما ونجازاكي؛ قالوا: "لقد أوقفنا بذلك الحرب العالمية الثانية وجنبنا العالم عددا أكبر من القتلى«! فنحن بين معسكرين يؤمنان بأن الغاية تبرر الوسيلة إلا أن هذا ليس مبدأ إسلاميا إن كان الإرهابيون المتأسلمون يسمعون، وليس مبدأ إنسانيا إن كان بوش وصحبه يسمعون! ولكن دون هذا الكلام كلام، و«المال يتحدث» كما يقول المثل الإنجليزي، المال يتحدث عن نفسه ولا حاجة بنا للتحدث عنه، وحبك الشي يصم ويعمي .. كما قيل.
لا ينبغي لعاقل، مسلما كان أو غير مسلم أن يضع الإسلام موضع الاتهام بأنه السبب في الإرهاب، سيما وأن العالم بات يعي ما لم تقدمه له « الأمم المتحدة ». فهي وشمال الكرة الأرضية أولى بالاتهام. والمال الذي هو دولة بين الدول الغنية أولى بالاتهام. وكذلك الصهيونية التي تعتقد أنها تمتلك «القواشين» المقدسة وتعيش أساطير الأولين. ولا ننسى تراكمات وآثار الاستعمار الغربي وأيضا العولمة الأحادية والإغواء المادي الرأسمالي الليبرالي الذي يطارد الروح أينما حلت. كما لا ننسى الديمقراطية الغربية التي هي كما يراها العقلاء: حكم المال والإعلام وبرجماتية اللذة الفردية ثم المصلحة الإقليمية، لا «حكم الشعب» كما يزعمون، ولا حكم عقلاء الشعب كما ينبغي أن تكون.
لا ينبغي لعاقل أن يصف الإرهاب بـ «الإسلامي» ولقد تيقنا أن لا واحد من هؤلاء الذين يقتلون النساء والأطفال وغير المحاربين ينتسب إلى المذاهب الإسلامية. فحتى هم أنفسهم لا يرضون أن ينسبهم أحد إلى الشافعية أو المالكية أو الحنفية أو الحنبلية أو الزيدية أو الجعفرية ولا حتى السلفية التقليدية التي تبرأت منهم.
فهم خارج كل مذاهب السنة والشيعة والإباضية وغيرها من مذاهب الإسلام كما أن بينهم وبين السنة الصوفية _ من باب أولى- من البعد كما بين المشرق والمغرب. وذلك باعترافهم هم. فماذا بعد؟ ماذا تبقى لهم من مرجعية إسلامية؟! وأين منهجهم من مناهج الإسلاميين؟! وأي مبرر لنا بعد ذلك أن نقول عنهم إسلاميين؟! ولا أتحدث هنا عن عقيدتهم وهل هم مسلمون أم لا فهذا بينهم وبين ربهم ولسنا بمكفرين، وإنما أتحدث عن فقههم ومنهجهم ورؤيتهم للعالم.
كان العالم الإسلامي في السابق يستمع للأزهر عندما يقول كلمته في أي مسألة فكان مرجعية كبرى للسنة، إلا أن تهميشه وتحجيم دوره الذي سعت له أوروبا وخاصة بريطانيا بالإضافة إلى انتشار دعوات ذم التقليد المذهبي وفتح باب الاجتهاد لمن هب ودب والذي شجعته أيضا بريطانيا، كل ذلك ساهم في انتشار ظاهرة التكفير والإرهاب عند بعض المسلمين. ولكن مع ذلك فقد أجمع العالم الإسلامي كله اليوم على إدانة الإرهاب وأن هؤلاء لا يصدرون عن نصوص الكتاب والسنة فقها ودراية. والإجماع حجة في الفقه الإسلامي إن كان الإرهابيون يؤمنون بحجية الإجماع! تجلى ذلك للعالم كله وللغربي الذي «يقرأ» في مؤتمرات إسلامية عديدة كما تجلى في توجيهات جلالة الملك عبد الله الثاني السامية «ورسالة عمان» التي صدرت من حرص آل البيت الأطهار على دينهم وخرجت من صميم روح شرع الإسلام وفقه مقاصده وغاياته. فقد وضع جلالته يده على الجرح ونبه إلى خطورة التعصب ورفض الآخر في المؤتمر الإسلامي الدولي الذي حضره ممثلون عن المذاهب الإسلامية الثمانية، حيث قال: «الاعتراف بالمذاهب هو اعتراف بمنهجية الافتاء وتحديد من هو المؤهل لهذه المهمة» وقال: «وأولى هذه القضايا وأهمها، هي توحيد موقف أتباع المذاهب الإسلامية الثمانية: السنية الأربعة والجعفري والاباضي والزيدي والظاهري على مبدأ اعتراف أتباع كل مذهب من هذه المذاهب بصحة إسلام أتباع المذاهب الأخرى وعدم جواز تكفير أي مسلم من أتباعها».
هذا الموقف المبارك وهذه الدعوة البالغة الأهمية نقطة انطلاق صحيحة للخروج من مأزق الفوضى، وترتيب البيت الإسلامي لينشغل بعدها بأولوياته، وهي تذكرني بموقف الشيخ محمد زاهد الكوثري وكيل المشيخة الإسلامية في دار الخلافة العثمانية المتوفى سنة (1371 هـ) الذي طالما حذر من فتنة اللامذهبية والفوضى الفقهية التي رأى بوادرها في حياته فألف رسالة قيمة بعنوان «اللامذهبية قنطرة اللادينية» حذر فيها - وكأنه يرى ما نحن فيه الآن - من دعاة نبذ المذاهب الفقهية وذم اتباعها وفتح باب الاجتهاد والإفتاء لمن ليس أهلا له فقال عنهم: «فلا بد أن يكونوا من صنائع أعداء هذا الدين الحنيف، ممن لهم غاية ملعونة إلى تشتيت اتجاه الأمة الإسلامية في شؤون دينهم ودنياهم ، تشتيتا يؤدي بهم إلى التناحر والتنابذ والتشاحن والتنابز يوما بعد يوم، بعد إخاء مديد استمر بينهم منذ بزغت شمس الإسلام إلى اليوم».
وقد حصل ما توقعه الشيخ رحمه الله، وهانحن الآن نعاني مما حذر منه فلا أقل من أن نوحد كلمتنا في أن الإرهاب «لاإسلامي»، وأن نرفض إي ربط بين الكلمتين ونحتج على من يفعل ذلك أيا كان، ولنسع إلى التقريب والتفاهم بيننا كي نحسن الحوار بعد ذلك مع أصحاب النيات الحسنة من سائر الشعوب ونسد الباب على أصحاب النيات السيئة أو الجازمين بحتمية الصدام الحضاري.
yasar_habashneh@yahoo.com
يسار إبراهيم الحباشنة
http://www.alrai.com/pages.php?articles_id=7271