طريق التصوف طريق علم وعمل لا يوصل إليها بالفهم من غير شيخ
قال سيدي عبدالوهاب الشعراني رضي الله تعالى عنه في "المنن الكبرى"(ص41):"وبالجملة فجميع الأخلاق التي نذكرها في هذا الكتاب لا يوصل إليها إلا بأحد طريقين : إما بالجذب الإلهي ، وإما بالسلوك على يد شيخ صادق ، ومن لم يدخل من أحد هاتين الطريقين فمحال أن يصل إلى شيء من هذه الأخلاق ، وقد طلب أقوام الوصول إلى التخلق بها من غير طريق الجد فكان غايتهم الحرمان لظنهم أنها طريق قال بغير حال ، مثل غيرها من الطرق ، وغاب عنهم أن طريق التصوف طريق علم وعمل كما يعلم من أخلاق هذا الكتاب ، وكان الشيخ مفرح رضي الله عنه يقول : "من علامة الصدق في أول قدم يضعه المريد في الإرادة أن يعطى ثلاث خصال تقوية لعزمه : أن يمشي في الهواء ، وعلى الماء ،وينفق من الغيب ، فمن لم يحصل له هذه الثلاثة فهو ممن لم يشم من الإرادة رائحة." انتهى .
وبالجملة فمن أراد يحيط علما بما قلناه ، فليطالع أخلاق هذا الكتاب ، ويطالب نفسه بالتخلق بما فيه ، فهناك يعرف حقيقة علم التصوف وطريقه ، فإن بعض الناس بنى طريقه على ظاهر الفقه ، ونفي طريق التصوف جملة ، وقال: ليس لنا طريق تقرب إلى الله تعالى غير ما نحن عليه من ظاهر الفقه بحسب فهمه هو ، وبعضهم ظن أن علم التصوف حفظ نقول فقط من غير عمل ، فأخذ نحو رسالة القشيري ، وعوارف المعارف ، وجلس يدرس للناس فيه بحسب فمه المخالف لما عليه القوم ، وظن بنفسه أنه صار صوفيا من غير تخلق بما يدرسه ، وهذا خطأ ظاهر ، وغاب عنه أن دائرة الولاية تؤخذ من بعد إنتهاء دائرة غيرها كما مر ، فكما أن دائرة النبوة تؤخذ بدايتها من بعد نهاية الولاية ، فكذلك علم التصوف يبتدأ من بعد نهاية أهل الفهم والفكر فلا يسمى صوفيا إلا من عمل بعمله على وجه الإخلاص ، كما عليه الأئمة المجتهدين وصالحوا مقلديهم .
ولو أن طريق القوم يوصل إليها بالفهم من غير شيخ يسير بالطالب فيها ، لما إحتاج مثل حجة الإسلام الإمام الغزالي ،والشيخ عز الدين بن عبد السلام أخذ أدبهما عن شيخ ، مع أنهما كانا يقولان قبل دخولهما طريق القوم: " كل من قال إن ثم طريقا للعلم غير ما بأيدينا فقد افترى على الله عز وجل"، فلما دخلا طريق القوم كانا يقولان :"قد ضيعنا عمرنا في البطالة والحجاب "،وأثبتا طريق القوم ومدحاها ، وقد سلك الإمام الغزالي على الشيخ أبي محمد البازغاني ، وسلك الشيخ عز الدين بن عبد السلام على الشيخ أبى الحسن الشاذلي ، وصار يقول : مما يدلك على أن القوم قعدوا على قواعد الشريعة ، وقعد غيرهم على الرسوم ما يقع على يدهم من الكرامات والخوارق ، ولا يقع ذلك على يد فقيه إلا أن سلك طريقهم ." أ.هـ .
لا يفلح إمعة ؛ لكن من إذا سمع نداء الحق لباه وكان معه .