إعلامُ النبلاء فيْمَنْ تصَوَّفَ مِنْ السَّادَةِ الحَنَابِلةِ الفُضَلاء (1)
الحمدُ للهِ ربِّ العالميْن، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سيِّد الأنبيَاء والمُرسَليْن ، وَعَلى آلِهِ وصحبِهِ الطَّاهرين ، ومَنْ اهتدى بهديهم إلى يَومِ الدِّيْن .
أمَّا بَعْدُ :
فهذِهِ مَقَالَةٌ مُوْجَزَة غايَة الإيْجَاز ، ذكرْتُ فيْها مَنْ تصوَّفَ وسَلَك ولبِسَ الخرقة مِن السَّادَة الحنَابِلَة الفُضلاء، إعلامَاً للجاهل ، وتذكيْرَاً للغافل ، وإفحَامَاً للمُعَانِد .
وقبْلَ أنْ أشرَعَ في ذكرِهم ، لابُدَّ أنْ نأتي على ذكرِ مُقدِّمتيْن :-
المُقدّمَة الأولى : لا بُدَّ أنْ يُعلمَ أنَّ التصوفَ ضرْبَان :-
الضرْبُ الأوَّل : تصوّفٌ شرْعيٌّ صحيح ، مَبنيٌّ عَلى كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسولِهِ صلَّى اللهُ عليْه وسَلَّم ، وهذا هو الأصلُ، وَعَليْه سَارَ الأئمة الأوَل.
قالَ إمَامُ أهل التصوّف الجُنيْد _رحمَهُ اللهُ_ كمَا في "طبقات الصوفيّة" للسلمي "ص/159" : (مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة)
وقال أيضاً في نفس الصفحة : (الطرق كلها مسدودة على الخلق إِلا على من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام، واتبع سنته ولزم طريقته، فإِنَّ طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه)
وقال الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه الله تعالى في "لطائف المنن" (1/2) : (إِن طريق القوم محررة على الكتاب والسنة كتحرير الذهب والجوهر، فيحتاج سالكها إِلى ميزان شرعي في كل حركة وسكون)
وقال الشيخ أحمد زروق رحمه الله تعالى في قواعده: (وكل شيخ لم يظهر بالسنة فلا يصح اتباعه لعدم تحقق حاله، وإِن صح في نفسه وظهر عليه ألف ألف كرامة من أمره) ["قواعد التصوف" للشيخ أحمد رزوق ص76].
فانظر يَا رَعاكَ اللهُ إلى سَادَةِ القوم يَنصُّون عَلَى أنَّ التصوف قائمٌ عَلى الكتَابِ والسُّنَّة لا غيْر .
وحيْثُ قلنا : (الكتاب والسنة) فلا نعني بها تلكَ الفهومَ الظاهريَّة الجوفاء في فهمِ نصوصِ الشريْعَة ، بل القصدُ أنَّ الكتابَ والسُّنّة هما المَرجعان الأساسيّان لكن وفقَ فهم الأئمَّة الثقات فحسب.
والغايَة مِنْ هذا التصوّف تربيَة النفس ، وَمُجَاهدَة آفاتها وأمرَاضها، والأخذُ بزمَامِها وخطامِها ، والسلوك بها إلى اللهِ جلَّ في عُلاه، فإنَّ السُّلوكَ إلى اللهِ عزَّوَجلَّ غايَة الأوليَاء السَّالكين ، والوصولَ إليْهِ أملُ السَّادَة العَارفيْن ، فبِهِ تتمُّ تزكيَةُ النفُوس ، ويُقطعُ مِن أمرَاضها الرؤوس ، قالَ اللهُ عزَّ وجل : {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وقد خابَ مَنْ دسَّاها} ، فأثنَى الباري سُبْحَانه عَلى مَنْ سَعَى في تزكيَة نفسِهِ ، ورَامَ إصلاحَها ، وذمَّ مَنْ أطلَقَ لنفسِهِ العَنَانَ ، ودسَّها في سيئات الأعمَال .
الضربُ الثاني : تَصوّفٌ مَبنيٌّ عَلى الضلالات والخُزعبلات، لا حظ لَهُ مِنَ الكتابِ والسُّنة وقوَاعِد الشريْعَة، وهذا حَالُ كثيْر مِن أدعياءِ التصوّف في هذا الزَّمَان، يُلبِّسون ويُدلسون ، وإلى الحقِّ لايَهدُون ، فهذا الضربُ ننزّه الأئمة الثقات عنْه .
المُقدِّمَة الثانيَة : فيْمَا يَتعلّق بطريْقةِ هذِهِ الرِّسَالَة أو المَقالَة، فإنِّي نهجتُ فيْهَا سبيْلَ الإيْجَاز والإختصَار ، وأهملتُ الأطنَابَ والإكثار، لأنَّ غايَتي مِن ذلِك التنبيْه عَلى أسمَاءهم وأعدَادِهم ، وألحقتُ بذلك ذكرَ موَاليْدِهم ووفيَّاتهم ، ومَا تيسَّر وقلَّ مِن أخبَارِهم ،وذكرتُ أيضاً مَا يَدلُّ عَلَى تصوفهم وسلوكهم بنصِّ الأئمَّة الأعلام،والحقُّ أنّي عجلتُ في إخرَاجها ، وذلِكَ خشيَة إهمَالها،وبمَا أنَّ غايتَها الإعلام فلا مَلام .
هذا وإنَّي لا أقول إني جمَعتُ في هذِهِ الرِّسَالَة فأوعيْت ، كلا ، بل قدْ خلَّفتُ خلفي الكثيْر، ولذلِك جعلتُ هذه المَقالَة هي الجزء الأوّل ، وسيَعقبها بإذنِ اللهِ مَا تيسَّر .
سائلاً اللهَ عزَّوجل الإعَانَة ، واللطف في الأمر كلِّهِ ، وأنْ يَجعلَ مَا اكتبُهُ خالصَاً لوجههِ الكريْم ليْسَ قالصَاً .
وَمَا مِن كاتبٍ إلا ويَفنَى 00000 ويُبْقي الدهرُ مَا كتبَتْ يَدَاهُ .
فلا تكتب بيَدكَ غيْرَ شيءٍ 00000 يَسُّرك في القيَامَةِ أنْ ترَاهُ .
كتبَهُ :
خالد حمَد علي
26/جمادى الأولى/1426 هـ.
2/ 7 / 2005
التعديل الأخير تم بواسطة خالد حمد علي ; 19-07-2005 الساعة 19:47
يَقوْلوْنَ ليْ قدْ قلَّ مَذْهبُ أحْمَد .... وَكلُّ قَليْلٍ في الأنَام ضَئيْلُ .
فقلتُ لَهُمْ : مَهلاً غلِطتُمْ بِزَعْمِكُم .... ألمْ تعلمُوا أنَّ الكرَامَ قليْلُ .