الجوهرة السادسة
وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
قال ابن الجوزى فى زاد المسير:
اختلف العلماء في توجيه هذه الآية على أربعة أقوال.
أحدها: أن معناه: و لا تصدقوا إلا من تبع دينكم، ولا تصدقوا أن يؤتى أحدٌ مما أوتيتم من العلم، وفلق البحر، والمنِّ، والسلوى، وغير ذلك، ولا تصدقوا أن يجادلوكم عند ربكم، لأنكم أصح ديناً منهم، فيكون هذا كله من كلام اليهود بينهم، وتكون اللام في «لمن» صلة، ويكون قوله تعالى: قل إِنَّ الهدى هدى الله كلاماً معترضاً بين كلامين، هذا معنى قول مجاهد، والأخفش.
والثاني: أن كلام اليهود تام عند قوله: لمن تبع دينكم والباقي من قول الله تعالى، لا يعترضه شيءٌ من قولهم، وتقديره: قل يا محمد: إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم يا أمة محمد، إلاّ أن تجادلكم اليهود بالباطل، فيقولون: نحن أفضل منكم، هذا معنى قول الحسن، وسعيد بن جبير. قال الفراء: معنى: «أن يؤتى» أن لا يؤتى.
والثالث: أن في الكلام تقديماً وتأخيراً، تقديره: ولا تؤمنوا أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم، إلا من تبع دينكم، فأخرت «أن»، وهي مقدمة في النية على مذهب العرب في التقديم والتأخير، ودخلت اللام على جهة التوكيد، كقوله تعالى:
عسى أن يكون رَدِفَ لكم
[النمل: 72] أي ردفكم.
وقال الشاعر:ما كنتُ أخدعُ للخليل بخلَّة حتى يكون ليَ الخليلُ خَدوعا
أراد: ما كنت أخدع الخليل.
وقال الآخر:يذمّون للدنيا وهم يحلبونها أفاويقَ حتى ما يَدِرُّ لها ثُعْل
أراد: يذمون الدنيا، ذكره ابن الأنباري.
والرابع: أن اللام غير زائدة، والمعنى: لا تجعلوا تصديقكم النبي في شيء مما جاء به إلا لليهود، فإنكم إن قلتم ذلك للمشركين، كان عوناً لهم على تصديقه، قاله الزجاج. وقال ابن الأنباري: لا تؤمنوا أن محمداً وأصحابه على حق، إلا لمن تبع دينكم، مخافة أن يطلع على عنادكم الحق، ويحاجوكم به عند ربكم. فعلى هذا يكون معنى الكلام: لا تقروا بأن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم، وقد ذكر هذا المعنى مكي بن أبي طالب النحوي
الجوهرة السابعة
قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ
قال الامام الرازى فى تفسيره:
.....
وسادسها: أن يكون في الكلام تقديم وتأخير كأنه قال: بل فعله كبيرهم هذا إن كانوا ينطقون فاسألوهم فتكون إضافة الفعل إلى كبيرهم مشروطاً بكونهم ناطقين فلما لم يكونوا ناطقين امتنع أن يكونوا فاعلين
الجوهرة الثامنة
هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ
قال ابن كثير
وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ يقول: والملائكة يجيئون في ظلل من الغمام، والله تعالى يجيء فيما يشاء، وهي في بعض القراءات هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام وهي كقوله
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَـٰمِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلَـٰۤئِكَةُ تَنزِيلاً
[الفرقان: 25].
وقال السمين
قوله: { فِي ظُلَلٍ } فيه أربعةُ أوجهٍ، أحدُها: أن يتعلَّق بيأتِيَهم، والمعنى: يأتيهم أمرُه أو قُدْرَتُه أو عقابُه أو نحوُ ذلك، أو يكونُ كنايةً عن الانتقام؛ إذ الإتيان يمتنعُ إسنادُه إلى الله تعالى حقيقةً. والثاني: أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ، وفي صاحبها وجهان، أحدُهما: هو مفعولُ يأتيهم، أي: في حالِ كونِهم مستقرين في ظُلَل وهذا حقيقةٌ. والثاني: أنه الله تعالى بالمجاز المتقدَّم، أي: أمرُ الله في حال كونه مستقراً في ظُلَل. الثالث: أن تكونَ " في " بمعنى الباء، وهو متعلقٌ بالإِتيانِ، أي: إلاَّ أَنْ يأتيهم بظُلَل. ومِنْ مجيءِ " في " بمعنى الباءِ قوله:
913 ـ................. خَبيرون في طَعْنِ الكُلى والأباهِرِ
لأنَّ " خبيرين " إنَّما يتعدَّى بالباءِ كقوله:
914 ـ................ خبيرٌ بأَدْواءِ النِّساء طَبيبُ
الرابع: أن يكونَ حالاً من " الملائكة " مقدَّماً عليها، والأصل: إلاَّ أَنْ يأتيَهم اللهُ والملائكةُ في ظُلَلٍ، ويؤيَّد هذا قراءة عبد الله إياه كذلك، وبهذا أيضاً يَقِلُّ المجازُ، فإنَّه والحالةُ هذه لم يُسْنَدْ إلى اللهِ تعالى إلا الإِتيانُ فقط بالمجازِ المتقدِّم....
والجمهور: " الملائكةُ " رفعاً عطفاً على اسم " الله ". وقرأ الحسن وأبو جعفر: " والملائكةِ " جراً وفيه وجهان، أحدُهما: الجر عطفاً على " ظُلَلٍ " ، أي: إلا أن يأتيهم في ظللٍ وفي الملائكة؛ والثاني: الجر عطفاً على " الغمام " أي: من الغمام ومن الملائكة، فتوصفُ الملائكة بكونِهَا ظُللاً على التشبيه.
قوله: { وَقُضِيَ ٱلأُمُورُ } الجمهور على " قُضِيَ " فعلاً ماضياً مبنياً للمفعول وفيه وجهان، أحدُهما: أن يكونَ معطوفاً على " يَأْتِيهم " وهو داخلٌ في حَيِّز الانتظار، ويكونُ ذلك من وَضْعِ الماضي موضعَ المستقبل، والأصل، ويُقْضى الأمر، وإنما جِيء به كذلك لأنه محققٌ كقوله:{ أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [النحل: 1]. والثاني: أن يكونَ جملةً مستأنفةً برأسِها، أَخْبر الله تعالى بأنه قد فَرَغَ من أمرهم، فهو من عطفِ الجملِ وليس داخلاً في حَيِّز الانتظار، وقرأ معاذ ابن جبل " وقضاء الأمر " قال الزمخشري: " على المصدرِ المرفوع عطفاً على الملائكة ". وقال غيرُه: بالمدِّ والخفض عطفاً على " الملائكة " قيل: " وتكون على هذا " في " بمعنى الباء " أي: بُظللٍ وبالملائكةِ وبقضاء الأمر، فيكونُ عن معاذ قراءتان في الملائكة: الرفعُ والخفضُ، فنشأ عنهما قراءتان له في قوله: " وقُضي الأمر ".