الجوهرة السادسة والتسعون
{ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } * { وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنَزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }
قال السمين
قوله: { وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ }: فيه وجهان، أظهرهما: أنه معطوفٌ على " خَلْقِكم " المجرورِ بـ " في " والتقديرُ: وفي ما يَبُثُّ. والثاني: أنه معطوفٌ على الضميرِ المخفوضِ بالخَلْق، وذلك على مذهبِ مَنْ يرى العطفَ على الضميرِ المجرورِ دونَ إعادةِ الجارِّ واستقبحه الزمخشريُّ وإنْ أُكِّد نحو: " مررتُ بك أنت وزيدٍ " يُشير بذلك إلى مذهب الجرميِّ فإنَّه يقول: إن أُكِّد جازَ، وإلاَّ فلا، فقولُه مذهبٌ ثالثٌ.
قوله: { آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } و { آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } قرأ " آياتٍ " بالكسر في الموضعَيْن الأخوَان، والباقون برفعهما. ولا خلافَ في كسرِ الأولى لأنها اسمُ " إنَّ ". فأمَّا { آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } بالكسر فيجوزُ فيها وجهان، أحدهما: أنها معطوفةٌ على اسم " إنَّ " ، والخبرُ قولُه: " وفي خَلْقِكم ". كأنه قيل: وإنَّ في خَلْقِكم وما يَبُثُّ مِنْ دابة آياتٍ. والثاني: أَنْ تكونَ كُرِّرَتْ تأكيداً لآيات الأُولى، ويكونُ " في خَلْقكم " معطوفاً على " في السماوات " كُرِّر معه حرفُ الجَرِّ توكيداً. ونظيرُه أَنْ تقولَ: " إنَّ في بيتك زيداً وفي السوق زيداً " فزيداً الثاني تأكيدٌ للأول، كأنك قلت: إنَّ زيداً زيداً في بيتك وفي السوق وليس في هذه عطفٌ على معمولَيْ عاملَيْن البتةَ.
وقد وَهِم أبو البقاء فجعلها مِنْ ذلك فقال: { آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } يُقرأ بكسر التاءِ، وفيه وجهان، أحدهما: أنَّ " إنَّ " مضمرةٌ حُذِفَتْ لدلالة " إنَّ " الأُولى عليها، وليسَتْ " آيات " معطوفةً على " آيات " الأولى لِما فيه من العطفِ على معمولَيْ عامليْن. والثاني: أَنْ تكونَ كُرِّرَتْ للتأكيد لأنها مِنْ لفظ " آيات " الأُوْلى، وإعرابُها كقولِك: " إن بثوبك دماً وبثوبِ زيد دماً " فـ " دم " الثاني مكررٌ؛ لأنَّك مُسْتغنٍ عن ذِكْرِه " انتهى.
فقوله: " وليسَتْ معطوفةً على آياتِ الأولى لِما فيه من العطفِ على عامِلَيْن " وَهَمٌ؛ أين معمولُ العاملِ الآخر؟ وكأنه توهَّمَ أنَّ " في " ساقطةٌ مِنْ قولِه: " وفي خَلْقِكم " أو اختلطَتْ عليه { آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } بهذه؛ لأنَّ تَيْكَ فيها ما يُوْهِمُ العطفَ على عامِلَيْن وقد ذكره هو أيضاً.
وأمَّا الرفعُ فمِنْ وجهَيْن أيضاً، أحدهما: أَنْ يكونَ " في خَلْقِكم " خبراً مقدَّماً، و " آياتٌ " مبتدأً مؤخراً، وهي جملةٌ معطوفةٌ على جملة مؤكدةٍ. بـ " إنَّ ". والثاني: أَنْ تكون معطوفةً على " آيات " الأولى باعتبار المحلِّ عند مَنْ يُجيزُ ذلك، لا سيما عند مَنْ يقولُ: إنه يجوز ذلك بعد الخبرِ بإجماعٍ.
وأمَّا قولُه: { وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } الآية فقد عَرَفْتَ أنَّ الأخَوَيْن يقرآن " آيات " بالكسرِ، وهي تحتاج إلى إيضاحٍ، فإن الناسَ قد تكلَّموا فيها كلاماً كثيراً، وخرَّجوها على أوجهٍ مختلفةٍ، وبها استدلَّ على جوازِ العطفِ على عاملين.
قلت: والعطفُ على عامِلَيْن لا يختصُّ بقراءةِ الأخوَيْن بل يجوز أَنْ يُسْتَدَلَّ عليه أيضاً بقراءة الباقين، كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى. فأما قراءةُ الأخوين ففيها أوجهٌ، أحدُها: أن يكونَ " اختلافِ الليلِ " مجروراً بـ " في " مضمرةً، وإنما حُذِفَتْ لتقدُّم ذكرِها مَرَّتَيْنِ، وحرفُ الجرِّ إذا دَلَّ عليه دليلٌ/ جاز حَذْفُه وإبقاءُ عملِه. وأنشَدَ سيبويه:
4023 ـ الآن قَرَّبْتَ تَهْجُونا وتَشْتِمُنا فاذهَبْ فما بك والأيامِ من عَجَبِ
تقديرُه: وبالأيام لتقدُّم الباءِ في " بك " ولا يجوزُ عَطْفُه على الكاف لأنه ليس مِنْ مذهبه - كما عَرَفْتَ - العطفُ على الضميرِ المجرورِ دونَ إعادةِ الجارِّ، فالتقديرُ في هذه الآيةِ: " وفي اختلافِ آيات " فـ " آيات " على ما تقدَّم من الوجهين في " آيات " قبلَها: العطفِ أو التأكيدِ. قالوا: ويَدُلُّ على ذلك قراءةُ عبد الله " وفي اختلافِ " تصريحاً بـ " في ". فهذان وجهان.
الثالث: أَنْ يُعْطَفَ " اختلافِ " على المجرورِ بـ " في " وآياتٍ على المنصوبِ بـ " إنَّ ". وهذا هو العطفُ على عاملَيْنِ، وتحقيقُه على معمولَيْ عاملين: وذلك أنَّك عَطَفْتَ " اختلاف " على خَلْق وهو مجرورٌ بـ " في " فهو معمولُ عاملٍ، وعَطَفْتَ " آياتٍ " على اسمِ " إنَّ " وهو معمولُ عاملٍ آخرَ، فقد عَطَفْتَ بحرفٍ واحدٍ وهو الواوُ معمولين وهما " اختلاف " و " آيات " على معمولَيْن قبلَهما وهما: خَلْق وآيات. وبظاهرِها استدلَّ مَنْ جَوَّز ذلك كالأخفشِ. وفي المسألة أربعةُ مذاهب: المَنْعُ مطلقاً، وهو مذهبُ سيبويه وجمهورِ البصريين. قالوا: لأنه يُؤَدِّي إلى إقامة حرفِ العطفِ مقامَ عاملين وهو لا يجوزُ؛ لأنه لو جاز في عامِلَيْن لجازَ في ثلاثةٍ، ولا قائل به، ولأنَّ حرفَ العطفِ ضعيفٌ فلا يَقْوَى أَنْ ينوبَ عن عاملَيْنِ ولأنَّ القائلَ بجوازِ ذلك يَسْتَضْعِفُه، والأحسنُ عنده أن لا يجوزَ، فلا ينبغي أَنْ يُحْمَلَ عليه كتابُ اللَّهِ، ولأنه بمنزلةِ التعديتَيْنِ بمُعَدٍّ واحد، وهو غيرُ جائزٍ.
قال ابن السراج: " العطفُ على عاملَيْن خطأٌ في القياسِ، غيرُ مَسْموع من العرب " ثم حَمَل ما في هذه الآيةِ على التكرارِ للتأكيد. قال الرمَّاني: " هو كقولِك: " إنَّ في الدارِ زيداً والبيتِ زيداً " فهذا جائزٌ بإجماعٍ فتدبَّرْ هذا الوجهَ الذي ذكره ابنُ السراجِ فإنه حسنٌ جداً، لا يجوزُ أَنْ يُحْمَلَ كتابُ اللَّهِ إلاَّ عليه. وقد بَيَّنْتُ القراءةَ بالكسرِ ولا عيبَ فيها في القرآن على وجهٍ، والعطفُ على عاملَيْن عيبٌ عند مَنْ أجازه ومَنْ لم يُجِزْه، فقد تناهى في العيب، فلا يجوزُ حَمْلُ هذه الآيةِ إلاَّ على ما ذكره ابنُ السَّراج دون ما ذهبَ إليه غيرُه ".
قلت: وهذا الحَصْرُ منه غيرُ مُسَلَّمٍ فإنَّ في الآيةِ تخريجاتٍ أُخَرَ غيرَ ما ذكره ابن السراج يجوزُ الحَمْلُ عليها. وقال الزجاج: " ومثلُه في الشعر:
4024 ـ أكلَّ امرِئٍ تَحْسَبين امْرَأً ونارٍ تَوَقَّدُ بالليلِ نارا
وأنشد الفارسيُّ للفرزدق:
4025 ـ وباشَرَ راعيها الصَّلا بلَبانِه وجَنْبَيْه حَرَّ النارِ ما يتحرَّق
وقول الآخر:
4026 ـ أَوْصَيْتُ مِنْ رُبْدَةَ قَلْباً حُرَّاً بالكلبِ خيراً والحَماةِ شَرا
قلت: أمَّا البيتُ الأولُ فظاهرُه أنه عَطَفَ و " نارٍ " على " امرئ " المخفوض بـ " كل " و " ناراً " الثانية على " امرَأ " الثاني. والتقدير: وتحسبين كلَّ نارٍ ناراً، فقد عطف على معمولَيْ عاملَيْن. والبيتُ الثاني عَطَفَ فيه " جَنْبَيْه " على " بلبانه " وعَطَفَ " حَرَّ النارِ " على " الصلا " ، والتقدير: وباشر بجَنْبَيْه حرَّ النار، والبيتُ الثالث عَطَفَ فيه " الحَماة " على " الكلب " و " شَرًّا " على " خيراً " ، تقديرُه وأَوْصَيْتُ بالحَماة شراً. وسيبويه في جميع ذلك يرى الجرَّ بخافضٍ مقدرٍ لكنه عُورض: بأنَّ إعمال حرفِ الجرِّ مضمراً ضعيفٌ جداً، ألا ترى أنَّه لا يجوزُ " مررتُ زيدٍ " بخفضِ " زيد " إلاَّ في ضرورةٍ كقولِه:
4027 ـ إذا قيلَ أيُّ الناسِ شرُّ قبيلةٍ أشارَتْ كليبٍ بالأكفِّ الأصابعُ
يريد: إلى كليب، وقولِ الآخر:
4028-...................... حتى تَبَذَّخَ فارتقى الأعلامِ
أي إلى الأعلام، فقد فَرَّ مِنْ شيءٍ فوقَع في أضعفَ منه. وأُجيب عن ذلك: بأنه لَمَّا تَقَدَّم ذِكْرُ الحرف في اللفظِ قَوِيَتِ الدلالةُ عليه، فكأنَّه ملفوظٌ به بخلافِ ما أَوْرَدْتموه في المثالِ والشعر.
والمذهب الثاني: التفصيلُ - وهو مذهب الأخفش - وذلك أنَّه يجوز بشرطَيْنِ، أحدُهما: أَنْ يكونَ أحدُ العاملَيْن جارًّا. والثاني: أن يتصلَ المعطوفُ بالعاطفِ أو يُفْصَلَ بلا، مثالُ الأولِ الآيةُ الكريمةُ والأبياتُ التي قَدَّمْتُها. ولذلك استصوب المبردُ استشهادَه بالآيةِ. ومثالُ الفَصْل بـ لا قولك: " ما في الدارِ زيدٌ ولا الحجرةِ عمروٌ " ، فلو فُقِدَ الشرطانِ نحو: إنَّ/ زيداً شَتَمَ بِشْراً، وواللَّهِ خالداً هنداً، أو فُقِدَ أحدُهما نحو: إنَّ زيداً ضربَ بَكْراً، وخالداً بشراً. فقد نَقَلَ ابنُ مالكٍ الامتناعَ عند الجميعِ. وفيه نظرٌ لِما سَتَعْرِفُه من الخلافِ.
الثالث: أنَّه يجوزُ بشرطِ أَنْ يكونَ أحدُ العامِلَيْنِ جارَّاً، وأَنْ يكونَ متقدماً، نحوَ الآيةِ الكريمةِ، فلو لم يتقدَّمْ نحوَ: " إنَّ زيداً في الدار، وعمراً السوقِ " لم يَجُزْ، وكذا لو لم يكنْ حرفَ جرٍّ كما تقدَّمَ تمثيلُه.
الرابع: الجوازُ، ويُعْزَى للفَرَّاء.
الوجهُ الرابعِ من أوجهِ تخريجِ القراءةِ المذكورة: أَنْ تنتصِبَ " آيات " على الاختصاصِ.
قاله الزمخشريُّ، وسيأتي فيما أَحْكيه عنه.
وأمَّا قراءةُ الرفعِ ففيها أوجهٌ، أحدُها: أَنْ يكونَ الأولُ والثاني ما تقدَّم في { آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }. الثالث: أَنْ تكونَ تأكيداً لآيات التي قبلها، كما كانَتْ كذلك في قراءةِ النصبِ. الرابع: أَنْ تكونَ المسألةُ من بابِ العطفِ على عامِلَيْن؛ وذلك أنَّ " اختلافِ " عطفٌ على " خَلْقِكم " وهو معمولٌ لـ " في " و " آيات " معطوفةٌ على " آيات " قبلَها، وهي معمولةٌ للابتداءِ فقد عَطَفَ على معمولَيْ عامِلَيْنِ في هذه القراءةِ أيضاً. قال الزمخشري: " قُرِئَ { آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } بالرفع والنصبِ على قولِك: " إنَّ زيداً في الدار وعمراً في السوقِ، أو وعمروٌ في السوق ". وأمَّا قولُه: { آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } فمن العطفِ على عامِلَيْنِ سواءً نَصَبْتَ أم رَفَعْتَ فالعاملان في النصبِ هما: " إنَّ " ، و " في " أُقيمت الواوُ مُقامَهما فعَمِلَتْ الجرَّ في و { وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } والنصبَ في " آياتٍ ". وإذا رَفَعْتَ فالعاملانِ: الابتداءُ، و " في " عملت الرفع في " آيات " والجرَّ في " اختلاف " ". ثم قال في توجيهِ النصبِ: " والثاني أَنْ ينتصِبَ على الاختصاصِ بعد انقضاءِ المجرور ".
الوجهُ الخامسُ أَنْ يرتفعَ " آياتٌ " على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ أي: هي آياتٌ. وناقَشَه الشيخُ فقال: " ونسبةُ الجرِّ والرفعِ، والجرِّ والنصبِ للواوِ ليس بصحيحٍ؛ لأنَّ الصحيحَ من المذاهبِ أنَّ حرفَ العطفِ لا يعملُ " قلت: وقد ناقشه الشيخُ شهابُ الدين أبو شامةَ أيضاً فقال: " فمنهم مَنْ يقولُ: هو على هذه القراءةِ أيضاً - يعني قراءةَ الرفعِ - عطفٌ على عاملَيْنِ وهما حرفُ " في " ، والابتداءُ المقتضي للرفعِ. ومنهم مَنْ لا يُطْلِقُ هذه العبارةَ في هذه القراءةِ؛ لأنَّ الابتداءَ ليس بعاملٍ لفظي ".
وقُرئ " واختلافُ " بالرفعِ " آيةٌ " بالرفعِ والتوحيدِ على الابتداء والخبر، ...
وقال القرطبي
وقراءة العامة «وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ» «وتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ» بالرفع فيهما. وقرأ حمزة والكسائي بكسر التاء فيهما. ولا خلاف في الأوّل أنه بالنصب على اسم «إنّ» وخبرها «فِي السَّمَوَاتِ». ووجه الكسر في «آيَات» الثاني العطف على ما عملت فيه التقدير: إن في خلقكم وما يبث من دابة آياتٍ. فأما الثالث فقيل: إن وجه النصب فيه تكرير «آيَاتٌ» لما طال الكلام كما تقول: ضربت زيداً زيداً. وقيل: إنه على الحمل على ما عملت فيه «إنّ» على تقدير حذف «في» التقدير: وفي ٱختلاف الليل والنهار آيات. فحذفت «في» لتقدّم ذكرها. وأنشد سيبويه في الحذف:
أكُلَّ ٱمرىء تَحْسِبِين ٱمرأً ونارٍ تَوَقُّدُ بالليل نارا
فحذف «كل» المضاف إلى نار المجرورة لتقدّم ذكرها. وقيل: هو من باب العطف على عاملين. ولم يُجِزه سيبويه، وأجازه الأخفش وجماعة من الكوفيين فعطف «واخْتِلاَفِ» على قوله: { وَفِي خَلْقِكُمْ } ثم قال: { وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ آيَاتٌ } فيحتاج إلى العطف على عاملين، والعطف على عاملين قبيح من أجل أن حروف العطف تنوب مناب العامل، فلم تَقْوَ أن تنوب مناب عاملين مختلفين إذ لو ناب مناب رافع وناصب لكان رافعاً ناصباً في حال. وأما قراءة الرفع فحملا على موضع «إن» مع ما عملت فيه. وقد ألزم النحويون في ذلك أيضاً العطف على عاملين لأنه عَطَف «وَاخْتِلاَفِ» على «وفِي خَلْقِكُمْ»، وعطف «آيَات» على موضع «آيات» الأوّل، ولكنه يقدّر على تكرير «في». ويجوز أن يرفع على القطع مما قبله فيرفع بالابتداء، وما قبله خبره، ويكون عطف جملة على جملة. وحكى الفراء رفع «واختِلاف» و «آيات» جميعاً، وجعل الاختلاف هو الآيات.
وقال ابن عاشور
وقوله { آياتٌ لقوم يعقلون } برفع { آيات } فيهما على أنهما مبتدآن وخبراهما المجروران. وتقدّر في محذوفة في قوله { واختلاف الليل والنهار } لدلالة أختها عليها التي في قوله { وفي خلقكم }. والعطف في كلتا الجملتين عطف جملة لا عطف مفرد.وقرأها حمزة والكسائي وخلف { لآيات } في الموضعين بكسرة نائبة عن الفتحة فـــ { آياتٍ } الأول عطف على اسم { إنَّ } و { في خلقكم } عطف على خبر { إنّ } فهو عطف على معمولي عامل واحد ولا إشكال في جوازه وأما { آيات لقوم يعقلون } فكذلك، إلا أنه عطف على معمولي عَامِلَيْن مختلفين، أي ليسا مترادفين هما إنّ وفي على اعتبار أن الواو عاطفة { آيَات } وليست عاطفة جملة { في خلقكم } الآية، وهو جائز عند أكثر نحاة الكوفة وممنوع عند أكثر نحاة البصرة، ولذلك تأول سيبويه هذه القراءة بتقدير في عند قوله { واختلاف الليل والنهار } لدلالة أختها عليها وتبقى الواو عاطفة { آياتٍ } على اسم إنّ فلا يكون من العطف على معمولي عاملين.والحق ما ذهب إليه جمهور الكوفيين وهو كثير كثرة تنبو عن التأويل. وجعل ابن الحاجب في «أماليه» قراءة الجمهور برفع { آياتٌ } في الموضعين أيضاً من العطف على معمولي عاملين لأن الرفع يحتاج إلى عَاملٍ كما أن النصب يحتاج إلى عَاملٍ قال وأكثر الناس يفرض الإشكال في قراءة النصب لكون العامل لفظيًّا وهما سواء