الجوهرة الثامنة عشر بعد المائتين
قال السمين
قوله: " ورِئْياً " الجمهورُ على " رِئْياً " الجمهورُ على " رِئْيا " بهمزةٍ ساكنةٍ بعدَها ياءٌ صريحةٌ وَصْلاً ووفقاً، وحمزةُ إذا وَقَفَ يُبْدِلُ هذه الهمزةَ ياءً على أصلِه في تخفيفِ الهمز، ثم له بعد ذلك وجهان: الإِظهارُ اعتباراً بالأصل، والإِدغامُ اعتباراً باللفظ، وفي الإِظهار صعوبةٌ لا تَخْفَى، وفي الإِدغامِ إبهامُ أنها مادةٌ أخرى: وهو الرَّيُّ الذي بمعنى الامتلاء والنَّضارة، ولذلك تَرَكَ أبو عمروٍ أصلَه في تخفيفِ همزِه.
وقرأ قالون عن نافع، وابن ذكوان عن ابن عامر " ورِيَّا " بياءٍ مشددةٍ بعد الراءِ، فقيل: هي مهموزةُ الأصلِ، ثم أُبْدِلَتِ الهمزةُ ياءً وأُدْغِمَتْ. والرَّأْيُ بالهمز، قيل: مِنْ رُؤْية العَيْن، وفِعْل فيه بمعنى مَفْعول، أي: مَرْئِيٌّ. وقيل من الرُّواء وحُسْنِ المنظر. وقيل: بل هو مِنَ الرَّيّ ضد العطش وليس مهموزَ الأصلِ، والمعنى: أحسنُ منظراً لأنَّ الرِّيَّ والامتلاءَ أحسنُ مِنْ ضِدَّيْهما.
وقرأ حميد وأبو بكر بن عاصم في روايةِ الأعشى " وَرِيْئاً " بياءٍ ساكنةٍ بعدَها همزةٌ وهو مقلوبٌ مِنْ " رِئْياً " في قراءةِ العامَّةِ، ووزنه فِلْعٌ، وهو مِنْ راءه يَرْآه كقولِ الشاعر:
3252- وكلُّ خليلٍ راءَني فهو قائلٌ مِنَ أجلِكَ: هذا هامةُ اليومِ أوغدِ
وفي القلب من القلبِ ما فيه.
ورَوَى اليزيديُّ قراءةَ " ورِياء " بياءٍ بعدها ألف، بعدها همزة، وهي من المُراءاة، أي: يُرِيْ بعضُهم حُسْنَ بعضٍ، ثم خَفَّف الهمزةَ الأولى بقلبِها ياءً، وهو تخفيفٌ قياسيٌّ.
وقرأ ابنُ عباس أيضاً في رواية طلحة " وَرِيَاً " بياء فقط مخففةٍ. ولها وجهان، أحدهما: أَنْ يكونَ أصلُها كقراءةِ قالون، ثم خَفَّفَ الكلمةَ بحذفِ إحدى الياءَيْن، وهي الثانيةُ لأنَّ بها حَصَلَ الثِّقَلُ، ولأنَّها لامُ الكلمةِ، والأواخرُ أَحْرَى بالتغيير. والثاني: أن يكونَ أصلُها كقراءةِ حميد " وَرِيْئا " بالقلب، ثم نَقَلَ حركةَ الهمزةِ إلى الياءِ قبلها، وحَذَفَ الهمزةَ على قاعدةِ تخفيفِ الهمزةِ بالنقل، فصار " وَرِيا " كما ترى. وتجاسَرَ بعضُ الناسِ فجعل هذه القراءة لَحْناً، وليس اللاحنُ غيرَه، لخَفَاءِ توجيهِها عليه.
وقرأ ابن عباس أيضاً وابنُ جُبَيْر وجماعةٌ " وزِيَّا " بزايٍ وياءٍ مشددة، والزَّيُّ: البِزَّة الحسنة والآلاتُ المجتمعة، لأنه مِنْ زَوَى كذا يَزْوِيه، أي: يَجْمعه، والمُتَزَيِّنُ يَجْمع الأشياء التي تُزَيِّنه وتُظْهِرُ زِيَّه.
وقال الطبري
قال أبو جعفر وأولـى القراءات فـي ذلك بـالصواب، قراءة من قرأ { أثاثاً وَرِئْياً } بـالراء والهمز، لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى أن معناه الـمنظر، وذلك هو من رؤية العين، لا من الروية، فلذلك كان الـمهموز أولـى به، فإن قرأ قارىء ذلك بترك الهمز، وهو يريد هذا الـمعنى، فغير مخطىء فـي قراءته. وأما قراءته بـالزاي فقراءة خارجة، عن قراءة القرّاء، فلا أستـجيز القراءة بها لـخلافها قراءتهم، وإن كان لهم فـي التأويـل وجه صحيح. واختلف أهل العربـية فـي الأثاث أجمع هو أم واحد، فكان الأحمر فـيـما ذُكر لـي عنه يقول هو جمع، واحدتها أثاثه، كما الـحمام جمع واحدتها حمامة، والسحاب جمع واحدتها سحابة. وأما الفراء فإنه كان يقول لا واحد له، كما أن الـمتاع لا واحد له. قال والعرب تـجمع الـمتاع أمتعة، وأماتـيع، ومتع. قال ولو جمعت الأثاث لقلت ثلاثة آثَّةٍ وأثث. وأما الرئي فإن جمعه آراء.
وقال القرطبي
وَرِءْياً } أي منظَراً حسناً. وفيه خمس قراءات: قرأ أهل المدينة «ورِيًّا» بغير همز. وقرأ أهل الكوفة «ورِئيا» بالهمز. وحكى يعقوب أن طلحة قرأ «وَرِياً» بياء واحدة مخففة. وروى سفيان عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس: «هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وزِيًّا» بالزاي؛ فهذه أربع قراءات.
قال أبو إسحاق: ويجوز «هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وريْئا» بياء بعدها همزة. النحاس: وقراءة أهل المدينة في هذا حسنة وفيها تقريران: أحدهما: أن تكون من رأيت ثم خففت الهمزة فأبدل منها ياء، وأدغمت الياء في الياء. وكان هذا حسناً لتتفق رؤوس الآيات لأنها غير مهموزات. وعلى هذا قال ابن عباس: الرئي المنظر؛ فالمعنى: هم أحسن أثاثاً ولباساً. والوجه الثاني: أن جلودهم مرتوية من النعمة؛ فلا يجوز الهمز على هذا. وفي رواية ورش عن نافع وابن ذكوان عن ابن عامر «ورئيا» بالهمز تكون على الوجه الأوّل. وهي قراءة أهل الكوفة وأبي عمرو من رأيت على الأصل. وقراءة طلحة بن مُصَرِّف «ورِياً» بياء واحدة مخففة أحسبها غلطاً. وقد زعم بعض النحويين أنه كان أصلها الهمز فقلبت الهمزة ياء، ثم حذفت إحدى اليائين. المهدوي: ويجوز أن يكون «رِيْئاً» فقلبت ياء فصارت رييا ثم نقلت حركة الهمزة على الياء وحذفت. وقد قرأ بعضهم «ورِياً» على القلب وهي القراءة الخامسة. وحكى سيبويه رَاءَ بمعنى رأى. الجوهري: من همزه جعله من المنظر من رأيت، وهو ما رأته العين من حال حسنة وكسوة ظاهرة. وأنشد أبو عبيدة لمحمد بن نمير الثقفي فقال:
أشاقتك الظعائن يوم بانوا بذِي الرِّئي الجميلِ من الأثاث
ومن لم يهمز إما أن يكون على تخفيف الهمزة أو يكون من رَوِيت ألوانهم وجلودهم رِيًّا؛ أي امتلأت وحسنت. وأما قراءة ابن عباس وأبيّ بن كعب وسعيد بن جبير والأعسم المكي ويزيد البربري «وزِيا» بالزاي فهو الهيئة والحسن. ويجوز أن يكون من زَوَيتُ أي جمعت، فيكون أصلها زِويا فقلبت الواو ياء. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " زُويت لي الأرض " أي جمعت؛ أي فلم يغن ذلك عنهم شيئا من عذاب الله تعالى؛ فليعش هؤلاء ما شاؤوا فمصيرهم إلى الموت والعذاب وإن عُمِّروا؛ أو العذاب العاجل يأخذهم الله تعالى به.
وقال ابن الجوزى
{ وَرِئْيَاً } فقرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: «ورئياً» بهمزة بين الراء والياء في وزن: «رِعيا»؛ قال الزجاج: ومعناها: منظراً، من «رأيت».
وقرأ نافع، وابن عامر: «رِيّاً» بياء مشددة من غير همز، قال الزجاج: لها تفسيران. أحدهما: أنها بمعنى الأولى. والثاني: أنها من الرِّيّ، فالمعنى: منظرهم مرتوٍ من النعمة، كأن النعيم بَيِّنٌ فيهم.
وقرأ ابن عباس، وأبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وابن أبي سريج عن الكسائي: «زيّاً» بالزاي المعجمة مع تشديد الياء من غير همز. قال الزجاج: ومعناها: حسن هيئتهم
وقال السمين
قوله: { شَيْئاً إِدَّاً }: العامَّةُ على كسر الهمزة مِنْ " إدَّاً " وهو الأمرُ العظيمُ المنكَرُ المتعجَّبُ منه. وقرأ أمير المؤمنين والسلمي بفتحها. وخَرَّجوه على حَذْفِ مضاف، أي: شيئاً أدَّاً، لأنَّ الأدَّ بالفتحِ مصدرٌ يُقال: أدَّه الأمرُ، وأدَّني يَؤُدُّني أدَّاً، أي: أَثْقَلني. وكان الشيخ ذكر أنَّ الأَدَّ والإِدَّ بفتح الهمزةِ وكسرِها هو العَجَبُ. وقيل: هو العظيم المُنْكَر، والإِدَّة: الشِّدَّة/. وعلى قوله: " وإن الإِدَّ والأدَّ بمعنى واحد " ينبغي أَنْ لا يُحتاج إلى حَذْفِ مضاف، إلا أَنْ يريدَ أنه أراد بكونِهما بمعنى العَجَب في المعنى لا في المصدرية وعَدَمِها...
وقرأ الناسُ " تُحِسُّ " بضمِّ التاء وكسرِ الحاء مِنْ أَحَسَّ. وقرأ أبو حيوةَ وأبو جعفرٍ وابن أبي عبلة " تَحُسُّ " بفتح التاء وضم الحاء. وقرأ بعضُهم " تَحِسُّ " بالفتح والكسر، من حَسَّه، أي: شَعَرَ به، ومنه " الحواسُّ الخَمس ".
و " منهم " حالٌ مِنْ " أحد " إذ هو في الأصلِ صفةٌ له، و " مِنْ أحدٍ " مفعولٌ زِيْدَتْ فيه " مِنْ ".
وقرأ حنظلةُ " تُسْمَعُ " مضمومَ التاء، مفتوحَ الميمِ مبنياً للمفعولِ، و " رِكْزاً " مفعولٌ على كلتا القراءتين إلا أنه مفعولٌ ثانٍ في القراءة الشاذة. ...