الجوهرة الثالثة والاربعون بعد المائة
قال ابن عطية
لا يرقبوا } معناه لا يراعوا ولا يحافظوا وأصل الارتقاب بالبصر، ومنه الرقيب في الميسر وغيره، ثم قيل لكل من حافظ على شيء وراعاه راقبه وارتقبه، وقرأ جمهور الناس " إلاً " وقرأ عكرمة مولى ابن عباس بياء بعد الهمزة خفيفة اللام " إيلاً " وقرأت فرقة " ألاً " بفتح الهمزة، فأما من قرأ " إلاً " فيجوز أن يراد به الله عز وجل قاله مجاهد وأبو مجلز، وهو اسمه بالسريانية، ومن ذلك قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين سمع كلام مسيلمة فقال هذا كلام لم يخرج من إل، ويجوز أن يراد به العهد والعرب تقول للعهد والخلق والجوار ونحو هذه المعاني إلاً، ومنه قول أبي جهل: [الطويل]
لإل علينا واجب لا نضيعه متين فواه غير منتكث الحبل
ويجوز أن يراد به القرابة، فإن القرابة في لغة العرب يقال له إل، ومنه قول ابن مقبل: [الرمل]
أفسد الناس خلوفٌ خلّفوا قـطعوا الإل وأعراق الرحم
أنشده أبو عبيدة على القرابة، وظاهره أنه في العهود، ومنه قول حسان [الوافر]
لعمرك أن إلَّك في قريش كإل السقب من رال النعام
وأما من قرأ " ألاً " بفتح الهمزة فهو مصدر من فعل للإل الذي هو العهد، ومن قرأ " إيلاً " فيجوز أن يراد به الله عز وجل، فإنه يقال أل وأيل، وفي البخاري قال جبر، وميك، وسراف: عبد بالسريانية، وأيل الله عز وجل، ويجوز أن يريد { إلاً } المتقدم فأبدل من أحد المثلين ياء كما فعلوا ذلك في قولهم أما وأيما، ومنه قول سعد بن قرط يهجو أمه: [البسيط]
يا ليت أمنا شالت نعامتها أيما إلى جنة أيما إلى نار
ومنه قول عمر بن أبي ربيعة: [الطويل]
رأت رجلاً أيما إذا الشمس عارضت فيضحي وأما بالعشي فيخصر
وقال آخر:[ الرجز]
لا تفسـدوا آبـا لكـم أيـمـا لنـا أيمـا لـكم
قال أبو الفتح ويجوز أن يكون مأخوذاً من آل يؤول إذا ساس.
قال القاضي أبو محمد: كما قال عمر بن الخطاب: قد ألنا وإيل علينا فكان المعنى على هذا لا يرقبون فيكم سياسة ولا مداراة ولا ذمة، وقلبت الواو ياء لسكونها والكسرة قبلها، والذمة " أيضاً بمعنى المتات والحلف والجوار، ونحوه قول الأصمعي الذمة كل ما يجب أن يحفظ ويحمى، ومن رأى الإل أنه العهد جعلها لفظتين مختلفتين لمعنى واحد أو متقارب، ومن رأى الإل لغير ذلك فهما لفظان لمعنيين...
وقرأ الناس الجم الغفير لا " أيمان لهم " على جمع يمين، وليس المراد نفي الأيمان جملة، وإنما المعنى لا أيمان لهم يوفى بها ويبر، وهذا المعنى يشبه الآية، وقرأ الحسن وعطاء وابن عامر وحده من السبعة " لا إيمان لهم " ، وهذا يحتمل وجهين أحدهما لا تصديق، قال أبو علي وهذا غير قوي لأنه تكرير وذلك أنه وصف أئمة الكفر بأنهم " لا إيمان لهم " فالوجه في كسر الألف أنه مصدر من آمنه إيماناً، ومنه قوله تعالى:{ آمنهم من خوف } [قريش:4] فالمعنى أنهم لا يؤمنون كما يؤمن أهل الذمة الكتابيون، إذ المشركون لم يكن لهم إلا الإسلام أو السيف، قال أبو حاتم فسر الحسن قراءته لا إسلام لهم...