بسم الله الرحمن الرحيم
بعض الناس يشكك في كون ابن تيمية مجسما، بعضهم عن جهل بحقيقة مراده، وبعضهم بتكلّف في إحسان الظن، وبعضهم يكونون مجسمة مثله، لكن يدرؤون التسمية بالتجسيم عن أنفسهم تلبيسا وتمويها كما كان ابن تيمية نفسه يفعل...
فهذا المقال لبيان كون ابن تيمية مجسما فعلا.
ااااا
إنَّ مصطلح (المجسِّم) يدلُّ على من يعتقد أنَّ الله -تعالى عن ذلك- جسم، وهذا الاعتقاد اعتقاد لمعنى الجسميَّة، بغضِّ النَّظر عن إثبات هذا الشَّخص للفظ (جسم) أو عدم إثباته له. فالمجسِّم من يثبت معنى الجسميَّة لله تعالى عن ذلك.
أمَّا معنى الجسميَّة فالمتَّفق عليه بكونه جسماً هو الذَّاهب في الأبعاد ذي الطُّول والعرض والعمق، وذي الأجزاء بحيث يُشار إلى أحدها إشارة مكانيَّة غير الإشارة إلى الآخر، وذي المقدار [الحجم]، وذي المكان والحدود، وكلُّ ما يتحرَّك ويمسُّ فهو جسم أو جوهر فرد، فإنَّ الحركة انتقالٌ من مكان إلى مكان آخر، وذو المكان جسم أو جوهر، والمساس اتصال حيز جسم أو جوهر بجسم أو جوهر ثان.
فالمقصود بالجسم هاهنا المصطلح المعروف المشهور الذي يستعمله النَّاس، وفي هذا المقال تجميع بعض نصوص ابن تيميَّة يثبت بها الجسميَّة لله تعالى عن ذلك بوصفه تعالى بما لا يكون إلا لجسم، مع إنكار ابن تيميَّة لفظ الجسم دون معناه. وإنَّ إنكار ابن تيميَّة لوصف الله تعالى بوصف (جسم) لا يعني إنكاره لوصف الله تعالى بمعنى الجسميَّة، فابن تيميَّة يقول بعدم صحَّة إطلاق لفظ (الجسم) على الله تعالى لا نفياً ولا إثباتاً، أي حتَّى نفي لفظ الجسم لا يجوز عند ابن تيميَّة. وليس كلامنا على لفظ (الجسم) أصلاً، بل على المعنى هاهنا.
وهاك بعض نصوص ابن تيميَّة في ذلك:
1- في[بيان تلبيس الجهمية]: "وإن قال [الإمام فخرالدين الرازي] أريد بالمنقسم أن ما في هذه الجهة منه غير ما في هذه الجهة كما نقول إن الشمس منقسمة يعني أن حاجبها الأيمن غير حاجبها الأيسر والفلك منقسم بمعنى أن ناحية القطب الشمالي غير ناحية القطب الجنوبي وهذا هو الذي أراده فهذا مما يتنازع الناس فيه فيقال له: قولك إن كان منقسمًا كان مركبًا وقد تقدم إبطاله وتقدم الجواب عن هذا الذي سميته مركبًا وتبين أنه (((لا حجة أصلاً على امتناع ذلك))) بل تبين (((أن إحالة ذلك تقتضي إبطال كل موجود))) ولولا أنه أحال على ما تقدم لما أحلنا عليه وتقدم بيان ما في لفظ التركيب والحيز والغير والافتقار من الإجمال (((وإن المعنى الذي يقصدونه بذلك يجب أن يتصف به كل موجود سواء كان [[واجباً]] أو ممكنًا))) وأن القول بامتناع ذلك يستلزم السفسطة المحضة".
2- في[بيان تلبيس الجهمية]: "قال الرازي: «وأما «الحنابلة» الذين التزموا الأجزاء والأبعاض». فيقال: إن أردت بهذا الكلام أنهم وصفوه بلفظ الأجزاء والأبعاض، وأطلقوا ذلك عليه من غير نفي للمعنى الباطل، وقالوا إنه يتجزأ أو يتبعض، وينفصل بعضه عن بعض، فهذا ما يعلم أحد من الحنابلة يقوله، هم مصرحون [بنفي ذلك] وإن أردت إطلاق لفظ البعض على صفاته في الجملة -فهذا ليس مشهورًا عنهم، لا سيما الحنابلة أكثر اتباعًا لألفاظ القرآن والحديث من الكرامية ومن الأشعرية (بإثبات لفظ الجسم من الحنابلة) - فهذا مأثور عن الصحابة والتابعين، والحنبلية وغيرهم متنازعون في إطلاق هذا اللفظ كما سنذكره إن شاء الله، وليس للحنبلية في هذا اختصاص، ليس لهم قول في النفي والإثبات إلا وهو وما أبلغ منه موجود في عامة الطوائف وغيرهم، إذ هم لكثرة الاعتناء بالسنة والحديث والائتمام بمن كان بالسنة أعلم، أبعد عن الأقوال المتطرفة في النفي والإثبات، وإن كان في أقوال بعضهم غلط في النفي والإثبات فهو أقرب من الغلط الموجود من الطرفين في سائر الطوائف الذين هم دونهم في العلم بالسنة والاتباع. وإن أردت أنهم وصفوه بالصفات الخبرية، مثل: الوجه واليد، وذلك يقتضي تجزئة التبعيض، أو أنهم وصفوه بما يقتضي أن يكون جسمًا، والجسم متبعض ومتجزئ، وإن لم يقولوا هو جسم. فيقال له: لا اختصاص للحنابلة بذلك، بل هو مذهب جماهير أهل الإسلام، بل وسائر أهل الملل وسلف الأمة وأئمتها".
3- في [بيان تلبيس الجهمية]: " الوجه الثامن عشر: أن يقال: قولك «فإنه تعالى لا يساوي هذه الذوات، في قبول الاجتماع، والافتراق، والتغير، والفناء، والصحة، والمرض، والحياة، والموت» يقال لك: هو لا يجوز عليه من هذه النقائص، ولا ما يساوي فيه هذه الذوات، ولا ما يخالفها؛ بل هو منزه عن قليل ذلك وكثيره، وعن كل ما يمكن العقل أن يقدره من هذه الأجناس، وإن لم يكن مساويًا للذوات في ذلك؛ إذ مساواة الذوات لا يكون إلا فيما يوجد فيها، ولفظ مساواة الشيء للشيء، يشعر بمماثلته فيه؛ بحيث يكونان سواء في ذلك، فكل من هذين المعنيين، لا يجوز تخصيص النفي به من غير موجب. وهو قد يريد بلفظ المساواة في ذلك، مطلق الاشتراك في ذلك؛ لكن العبارة ملبسة؛ وهو باستعمال مثل هذه العبارة في ذلك وقع [في] خطأ كثير في المعاني، كما سنذكره في باقي مسألة تماثل الأجسام أو غيرها. وأيضًا فهذه الأمور ممتنعة عليه بدون وجود هذه المحسوسات، ومع قطع النظر عن وجودها؛ وإنما نفي ذلك معلوم، من العلم بكونه قديمًا واجب الوجود، بنفسه، حيًّا قيومًا؛ فإن ما كان قيومًا، واجب الوجود بنفسه، لم تكن ذاته قابلة للعدم: إذ الذات القابلة للعدم، تقبل العدم والوجود، فإن كانت [غير] ممكنة لا تقبل الوجود كانت ممتنعة، والممكن لذاته والممتنع لذاته، لا يكون واجبًا لذاته. وكذلك أيضًا لو قبل التفرق والمرض، ونحو ذلك من التغيرات والاستحالات، التي هي مقدمات العدم والفناء وأسبابه، لم يكن حيًّا قيومًا صمدًا، واجب الوجود بنفسه؛ لأن هذه الأمور، توجب زوال ما هو داخل في مسمى ذاته، وعدم ذلك مما هو صفة له أو ((جزء))، ولو زال ذلك لم تكن ذاته واجبة الوجود، بل كان من ذاته ما ليس بواجب الوجود، ثم ذلك يقتضي أن لا يكون شيء منها واجب الوجود، إذ لا فرق بين شيء وشيء، ولهذا كان تجويز هذا عليه، يستلزم تجويز العدم عليه، لأن ما جاز عليه الاستحالات، جاز عليه عدم صورته وفسادها. كما هو المعروف في الأجسام، التي يجوز عليها التفرق والاستحالة. فهذا وأمثاله مما يعلم به تقديسه وتنزهه عن هذه الأمور، التي هي عدم ذاته أو عدم ما هو من ذاته".
4- قال في ذلك الكتاب: "الوجه الخامس والأربعون: أن الأجسام بينها قدر مشترك وهو جنس المقدار، كما يقولون ما يمكن فرض الأبعاد الثلاثة فيه وبينها قدر مميز - وهو حقيقة كل واحد وخصوص ذاته التي امتاز بها عن غيره كما يعلم أن الجبل والبحر مشتركان في أصل القدر، مع العلم بأن حقيقة الحجر ليست حقيقة الماء، وإذا كان كذلك فالحس لم يدرك مقدارًا مجردًا ولا صورة مجردة، ولم يحس قط، إلا جسمًا مهيئًا له قدر يخصه، وصفة تخصه، والخيال إذا تخيل المحسوسات، وهو مع هذا يمكنه تجريد المقدار عن الصفة، فيشكل في نفسه قدرًا معينًا، أو مطلقًا غير مختص بصفة من الصفات، وهو تقدير الأبعاد في النفس، وإذا وصف له الملك فإنه يتخيل صورة مطلقة، وأن لها وجهًا ويدًا تناسبها، من غير أن يتخيل حقيقتها؛ فإن تخيل نسبة الصفة المخصوصة إلى الموصوف المخصوص، أقرب إلى ما أحسه من تخيل قدر مطلق، والتخيل يتبع الحس، فكلما كان أقرب إلى الحس كان تخيله أيسر عليه. وهذا ونحوه [مـ]ـما يبين أن تصوير الخيال لما حكاه عن منازعيه من أيسر الأمور؛ بل لو قال: إن التخيل لا يتصور إلا ما يكون هكذا لا يتصور وصفه بنقيض ذلك، لكان هذا القول أقرب، بل هذا القول الذي اتفق عليه العقلاء، من أهل الإثبات والنفي: اتفقوا على أن الوهم والخيال لا يتصور موجودًا إلا متحيزًا أو قائمًا بمتحيز وهو الجسم وصفاته. ثم المثبتة قالوا: وهذا حق معلوم أيضًا، بالأدلة العقلية والشرعية، بل بالضرورة، وقالت النفاة: إنه قد يعلم بنوع من دقيق النظر أن هذا باطل، فالفريقان اتفقوا على أن الوهم والخيال يقبل قول المثبتة، الذي ذكرت أنهم يصفونه بالأجزاء والأبعاض، وتسميهم المجسمة، فهو يقبل مذهبهم لا نقيضه في الذات".
5- "الوجه الثاني والأربعون: أن جميع الناس من المثبتة والنفاة متفقون على أن هذه المعاني التي حكيتها عن خصمك هي التي تظهر للجمهور ويفهمونها من هذه النصوص، من غير إنكار منهم لها ولا قصور في خيالهم ووهمهم عنها، والنفاة المعتقدون انتفاء هذه الصفات العينية لم يعتقدوا انتفاءها لكونها مردودة في التخيل والتوهم، ولكن اعتقدوا أن العين التي تكون كذلك هو جسم، واعتقدوا أن البارئ ليس بجسم، فنفوا ذلك. ومعلوم أن كون البارئ ليس جسمًا ليس هو مما تعرفه الفطرة والبديهة ولا بمقدمات قريبة من الفطرة، ولا بمقدمات بينة في الفطرة؛ بل بمقدمات فيها خفاء وطول، وليست مقدمات بينة، ولا متفقًا على قبولها بين العقلاء؛ بل كل طائفة من العقلاء تبين أن من المقدمات التي نفت بها خصومها ذلك ما هو فاسد معلوم الفساد بالضرورة عند التأمل وترك التقليد، وطوائف كثيرة من أهل الكلام يقدحون في ذلك كله، ويقولون: بل قامت القواطع العقلية على نقيض هذا المطلوب، وأن الموجود القائم بنفسه لا يكون إلا جسمًا، وما لا يكون جسمًا لايكون إلا معدومًا. ومن المعلوم أن هذا أقرب إلى الفطرة والعقول من الأول".
6- في بيان تلبيس الجهمية: "الوجه السابع والأربعون: أن لفظ «الجسم» و «العرض» و «المتحيز» ونحو ذلك: ألفاظ اصطلاحية، وقد قدمنا غير مرة أن السلف والأئمة لم يتكلموا في ذلك، في حق الله لا بنفي ولا إثبات؛ بل بدعوا أهل الكلام بذلك، وذموهم غاية الذم، والمتكلمون بذلك من النفاة أشهر، ولم يذم أحد من السلف أحدًا بأنه مجسم، ولا ذم المجسمة، وإنما ذموا الجهمية النفاة لذلك وغيره، وذموا أيضًا المشبهة الذين يقولون صفاته كصفات المخلوقين. ومن أسباب ذمهم للفظ الجسم والعرض ونحو ذلك [ما] في هذه الألفاظ من الاشتباه ولبس الحق، كما قال الإمام أحمد: «يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويلبسون على جهال الناس بما يشبهون عليهم» .وإنما النزاع المحقق أن السلف والأئمة آمنوا بأن الله موصوف بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله، من أن له علمًا وقدرة وسمعًا وبصرًا، ويدين ووجهًا وغير ذلك، والجهمية أنكرت ذلك، من المعتزلة وغيرهم. ثم المتكلمون من أهل الإثبات لما ناظروا المعتزلة، تنازعوا في الألفاظ الاصطلاحية: فقال قوم: العلم والقدرة ونحوهما لاتكون إلا عرضًا، وصفة حيث كان، فعلم الله وقدرته عرض. وقالوا أيضًا: إن اليد والوجه لا تكون إلا جسمًا، فيد الله ووجهه كذلك؛ والموصوف بهذه الصفات لا يكون إلا جسمًا، فالله تعالى جسم لا كالأجسام. قالوا: وهذا مما لا يمكن النزاع فيه، إذا فهم المعنى المراد بذلك، لكن أي محذور في ذلك، وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها، أنه ليس بجسم، وأن صفاته ليست أجسامًا وأعراضًا؟ فنفي المعاني الثابتة بالشرع والعقل؛ بنفي ألفاظ لم ينف معناها شرع ولا عقل، جهل وضلال. قالوا [أي من ينزِّه الله تعالى عن الجسميَّة]: وكذلك فالعقل ينفي ذلك بما دل على حدوث الجسم والعرض القائم به، قالوا: لأنه لم يدل العقل على حدوث كل موصوف قائم بنفسه وهو الجسم، وكل صفة قائمة به وهو العرض. والدليل المذكور على ذلك دليل فاسد، وهو أصل «علم الكلام» الذي اتفق السلف والأئمة على ذمه وبطلانه -وسيأتي الكلام على هذا الدليل في موضعه- قالوا: فلا معنى لإنكار ما هو الحق الثابت بالشرع والعقل، لاستلزام ذلك بطلان حجة مبتدعة أنكرها السلف والأئمة، لأجل دعوى من ادعى من أهلها أنها أصل الدين، الذي لا يعلم الدين إلا به، فإنما هو أصل الدين الذي ابتدعوه".
7- قال في بيان تلبيس الجهمية: "ولكن نذكر جوابًا عامًّا فنقول كونه فوق العرش ثبت بالشرع المتواتر وإجماع سلف الأمة مع دلالة العقل ضرورة ونظرًا أنه خارج العالم فلا يخلو مع ذلك إما أن يلزم أن يكون مماسًّا أو مباينًا أو لا يلزم فإن لزم أحدهما كان ذلك لازمًا للحق ولازمُ الحق حق وليس في مماسته للعرش ونحوه محذور كما في مماسته لكل مخلوق من النجاسات والشياطين وغير ذلك فإن تنزيهه عن ذلك إنما أثبتناه لوجوب بُعدِ الأشياء عنه ولكونها ملعونة مطرودة لم نثبته لاستحالة المماسة عليه وتلك الأدلة منتفية في مماسته للعرش ونحوه كما روي في مس آدم وغيره وهذا جواب جمهور أهل الحديث وكثير من أهل الكلام".
8- قال في التدمرية: "وقال في حق المسيح وأمه: {مَا الْمَسِيحُ بْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ} فجعل ذلك دليلا على نفي الألوهية، فدل ذلك على تنزيهه عن ذلك بطريق الأَوْلَى والأحرى.والكبد والطحال ونحو ذلك هي أعضاء الأكل والشرب، فالغني المنزه عن ذلك منزه عن آلات ذلك، بخلاف اليد فإنها للعمل والفعل، وهو سبحانه وتعالى موصوف بالعمل والفعل، إذ ذلك من صفات الكمال، فمن يقدر أن يفعل أكمل ممن لا يقدر على الفعل".
9- قال في بيان تلبيس الجهمية: "الوجه الثاني قوله سبيل هؤلاء أن يعلموا أن صفات الله تعالى لا تؤخذ إلا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم دون قول أحد من الناس فيقولون له لو وفيت أنت ومن اتبعته باتباع هذه السبيل لم تحوجنا نحن وأئمتنا إلى نفي بدعكم بل تركتم موجب الكتاب والسنة في النفي والإثبات أما في النفي فنفيتم عن الله أشياء لم ينطق بها كتاب ولا سنة ولا إمام من أئمة المسلمين (((بل والعقل لايقضي بذلك عند التحقيق))) وقلتم إن العقل نفاها فخالفتم الشريعة بالبدعة والمناقضة المعنوية وخالفتم العقول الصريحة وقلتم ليس هو بجسم ولا جوهر ولا متحيز ولا في جهة ولا يشار إليه بحس ولا يتميز منه شيء من شيء وعبرتم عن ذلك بأنه تعالى ليس بمنقسم ولا مركب وأنه لا حد له ولا غاية تريدون بذلك أنه يمتنع عليه أن يكون له حد وقدْر أويكون له قَدْر لا يتناهى وأمثال ذلك".
10- قال في الفتاوى الكبرى: "ولا ريب أن من جعل الرب جسما من جنس المخلوقات فهو من أعظم المبتدعة ضلالا دع من يقول منهم أنه لحم ودم ونحو ذلك من الضلالات المنقولة عنهم ((وإن أراد نفي ما ثبت بالنصوص)) و((حقيقة العقل أيضا)) مما وصف الله ورسوله منه وله ([فهذا حق وإن سمي ذلك تجسيما]) أو قيل (إن هذه الصفات لا تكون إلا لجسم فما ثبت بالكتاب والسنة وأجمع عليه سلف الأمة هو حق) (((((وإذا لزم من ذلك أن يكون هو الذي يعنيه بعض المتكلمين بلفظ الجسم فلازم الحق حق))))) (((كيف والمثبتة تقول إن ثبوت هذا معلوم بضرورة العقل ونظره))) [[[وهكذا مثبت لفظ الجسم إن أراد بإثباته ما جاءت به النصوص صوبنا معناه ومنعناه عن الألفاظ المبتدعة المجملة]]] وإن أراد بلفظ الجسم ما يجب تنزيه الرب عنه من مماثلة المخلوقات رددنا ذلك عليه وبينا ضلاله وإفكه وأما قوله نقلنا الكلام معه إلى إبطال التجسيم فقد ذكرنا أدلة النافين والمثبتين مستوفاة في بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية وتبين لكل من له أدنى فهم أن ما ذكره هؤلاء من أدلة النفي كلها حجج داحضة وأن جانب المثبتة أقوى وقد بسطنا الكلام في ذلك في غير هذا الموضع". لاحظ أنه يقول إنه في كتاب بيان تلبيس الجهمية قد بين بطلان الأدلة على تنزيه الله تعالى عن الجسمية وأن أدلة مثبتي الجسمية أقوى! ولاحظ أنه هنا يتكلم على معنى الجسمية وليس لفظ الجسم فإن إطلاقه مبتدع. أرجو التركيز في هذا النص الصريح!
11- بيان تلبيس الجهمية: "ومع هذا فالمتكلمون الذين تكلموا في الجسم نفياً وإثباتاً في عهد السلف أئمة النفاة مهم أو من المعتزلة كأبي الهذيل وذويه وأئمة الإثبات منهم هم متكلموا الرافضة كهشام بن الحكم وذويه ومع هذا كلامُ السلف كثيرٌ مستفيض في ذم الجهمية والمعتزلة على نفي الصفات ولم يعرف عن السلف ذم لهؤلاء الرافضة على ما يقال إنه التجسيم ولا شاع عنهم من عيب الرافضة بذلك ما شاع عنهم من عيب المعتزلة على النفي ولايحفظ عن أحد من السلف ذم المجسمة ولا ذم من يقول بالجسم ولا نحو هذا أصلاً فإذا كانوا متفقين على ذم الجهمية نفاة الصفات بنفي الجسم وملازمه ولم يذموا أحدًا لخصوص كونه أثبت الجسم ولم ينفه كما نفاه نفاة الجسم على أن ذم هؤلاء ذمٌ لا أصل له في الكتاب والسنة ولا كلام أحد من سلف الأمة وأن النفاة مذمومون بالكتاب والسنة والإجماع نعم ذم السلف من كان يزيد في الإثبات على ما جاء في الكتاب والسنة من المشبهة والمجسمة كما وجد هذا في كلام غير واحد من السلف رضي الله عنهم فيذمونهم ذمًّا خاصًّا على ما زادوه من الباطل وما وصفوا الله تعالى به مما هو مُنزَّه عنه كما يذكر عنهم من المقالات الباطلة وذموهم على التجسيم الذي ابتدعوه وخالفوا به الكتاب والسنة ولم يكن في كلامهم نفي عام وذم عام كما يوجد في كلام النفاة وهؤلاء السلف والأئمة الذين ذكرنا مدحهم وذمهم قد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم والمؤمنون شهداء الله في أرضه وهم الذين يُعتدّ بإجماعهم في الدين فإذا كانوا مجمعين على ما ذكرناه كان ذلك ثابتاً بالكتاب والسنة بخلاف من قد تنازعت الجماعة في مدحه وذمه".
يتبع...