علي بن الجهم
يقول :
الحَمدُ لِلَّهِ المُعيدِ المُبدي **** حَمداً كَثيراً وُهوَ أُهلُ الحَمدِ
ثُمَّ الصَلاةُ أَوَّلاً وَآخِرا **** عَلى النَبِيِّ باطِناً وَظاهِرا
يا سائِلي عَن اِبتِداءِ الخَلقِ****مَسأَلَةَ القاصِدِ قَصدَ الحَقِّ
أَخبَرَني قَومٌ مِن الثِقاتِ **** أولو عُلومٍ وَأولو هَيئآتِ
تَقَدَّموا في طَلَبِ الآثارِ **** وَعَرَفوا حَقائِقَ الأَخبارِ
وَفَهِموا التَوراةَ وَالإِنجيلا *** * وَأَحكَموا التَنزيلَ وَالتَأويلا
أَنَّ الَّذي يَفعَلُ ما يَشاءُ **** وَمَن لَهُ العِزَّةُ وَالبَقاءُ
أَنشَأَ خَلقَ آدَمٍ إِنشاءَ **** وَقَدَّ مِنهُ زَوجَهُ حَواءَ
مُبتَدِئاً ذلِكَ يَومَ الجُمعَهْ **** حَتّى إِذا أَكمَلَ مِنهُ صُنعَهْ
أَسكَنَهُ وَزَوجَهُ الجِنانا **** فَكانَ مِن أَمرِهِما ما كانا
غَرَّهُما إِبليسُ فَاِغتَرّا بِهِ **** كَما أَبانَ اللَهُ في كِتابِهِ
دَلّاهُما المَلعونُ فيما صَنَعا **** فَأُهبِطا مِنها إِلى الأَرضَ مَعا
فَوَقَعَ الشَيخُ أَبونا آدَمْ ****بِجَبَلٍ في الهِندِ يُدعى واسِمْ
لَبَئسَما اِعتاضَ عَن الجِنانِ **** وَعَن جِوارِ المَلِكِ المَنّانِ
وَالضَعفُ مِن خَليقَةِ الإِنسانِ **** لا سِيَّما في أَوَّلِ الزَمانِ
ما لَبِثا في الفَوزِ يَوماً واحِدا **** حَتّى اِستَعاضا مِنهُ جُهداً جاهِدا
فَشَقيا وَوَرَّثا الشَقاءَ **** أَبناهُما وَالهَمَّ وَالعَناءَ
وَلَم يَزَل مُستَغفِراً مِن ذَنبِهِ ****حَتّى تَلَقّى كَلِماتِ رَبِّهِ
فَأمِنَ السَخطَةَ وَالعِقابا **** وَاللَهُ تَوّابٌ عَلى مَن تابا
ثُمَّ اِستَمَلّا وَأَحَبّا النَسلا **** فَحَمَلَت حَوّاءُ مِنهُ حَملا
وَوَضَعَت إِبناً وَبِنتاً تَوأَما **** فَسُرَّ لَمّا سَلِمَت وَسَلِما
وَاِقتَنيا الإِبنَ فَسُمِّيَ قايِنا **** وَعايَنا مِن أَمرِهِ ما عايَنا
ثُمَّ أَغَبَّت بَعدَهُ قَليلا **** فَوَضَعَت مُتئِمَةً هابيلا
فَشَبَّ هابيلُ وَشَبَّ قايِنُ **** وَلَم يَكُن بَينَهُما تَبايُنُ
فَقَرَّبا لِحاجَةٍ قُربانا **** وَخَضَعا لِلَّهِ وَاِستَكانا
فَقُبِلَ القُربانُ مِن هابيلِ **** وَلَم يَفُز قايِنُ بِالقُبولِ
فَثارَ لِلحينِ الَّذي حُيِّنَ لَهْ **** إِلى أَخيهِ ظالِماً فَقَتَلَهْ
ثُمَّ اِستَفَزَّ أُختَهُ فَهَرَبا **** وَفارَقا أُمّاً أَلوفاً وَأَبا
فَبَعَدَت دارُهُما مِن دارِهِ **** وَزَهَدا في الخَيرِ مِن جِوارِهِ
فَأَخلَفَ اللَهُ عَلَيهِ شيثا **** وَلَم يَزَل بِاللَهِ مُستَغيثا
حَتّى إِذا أَحَسَّ بِالحِمامِ **** وَذاكَ بَعدَ سَبع مية عامِ
كانَت إِلى شيثَ اِبنِهِ الوَصِيَّهْ **** وَلَيسَ شَيءٌ يعجزُ المَنِيِّهْ
أَنِ اِعبُدِ اللَهَ وَجانِب قايِنا **** وَكُن لَهُ وَنَسلِهِ مُبايِنا
فَلَم يَزَل شيثُ عَلى الإيمانِ **** مُعتَصِماً بِطاعَةِ الرَحمنِ
....