قُلنا :" وَ لكِنْ عندِي إستغراب لِموضِع هذه العِبارة التي ظاهِرُها في نَفسِها سليمٌ وَ هي قول الأخ عبد الله عبد الحيّ سعيد: "... كما أن الله تعالى قد اختارهم لهداية العباد عن علم فليس له تعالى حاجة للتأكد منهم بعد الموت ..." ، لآ شَكَّ .. "... ليس له تعالى حاجة ..." وَ لكِنْ ، ألا يُوهِمُ إِيرادُها بِمِثْلِ هذا السِـياق معنىً محذُوراً وَ هو أنَّ سؤالَ مَنْ سِـوى الأنبِياء و الشُهداء وَ الأطفال هُوَ عن حاجةٍ لِلتأكُّدِ منهم بعدَ الموت ؟؟؟ حاشى للّهِ العليم الخبير ... إِذْ قَد أُورِدَتْ كالتعلِيل لِلإِسْـتِثناء من السُـؤال ...
وَ قد أخبَرَنا عزَّ وَ جلَّ في مُحكَمِ كتابِهِ العزيز عن موطِنٍ من مواطِنِ يومِ القِيامةِ بعد تمام البعثِ وَ الحَشْرِ { فَلَنَسْـأَلَنَّ الذينَ أُرسِـلَ إِلَيْهِم وَ لَنَسْـألَنَّ المُرسَـلِين } الآيات ... وَ سـائر ما في معناها ... فهل يقول عاقِلٌ بأنَّ هذا السؤال كائِنٌ لِلتأكُّد ؟؟ .. حاشى ..
إِذَنْ لا بُدَّ من اليَقَظة وَ الإِحتياط في التعبير في كُلِّ الكلام وَ لا سِـيّما الكلام في أمور الدين . وَ اللهُ المُوَفِّقُ و المُعين .
وَ لنتدَبَّرْ في وَرود الآية الكريمة المتلُوّةِ آنِفاً وَ ما جاءَ بَعدها :
{ وَ كَمْ مِنْ قرْيَةٍ أهْلكْناها فجاءَها بأسُـنا بَياتاً أوْ هُمْ قائِلُونَ * فما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُـنا إلّا أَنْ قالُوا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ * فلَنَسْـأَلَنَّ الذِينَ أُرْسِـلَ إِلَيْهِمْ وَ لَنَسْـأَلَنَّ المُرْسَـلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بعِلْمٍ وَ ما كُنّا غائِبِينَ } (الأعراف. 4 - 7). إِهــ . ما نقلنا من مشاركتنا السابقة .
و نقول الآن :
أوّلاً : لآ علاقة للمجاز بما ورد هنا ، أخي العزيز ...
ثُمَّ إِنَّ وضعَ عبارتكم في سياق الكلام قد أظهرَها كالتعليل لِما سبق تقرِيرُهُ ، و هو مختلف عن مَفاد موقع العبارة المشابهة التي وردت في سياق الحديث الشريف الذي ذكرتُم ... ثُمَّةَ فرقٌ لطيف ...
وَ نحنُ لَم نتَّهِمْكُم بِتعمُّدِ محذُورٍ ، بل كان قصدُنا أنَّ نحترِزَ في تعبيرِنا أو أُسلوبِ كلامنا عَنْ إِيهام المحذُور ... قدر المستطاع إِنْ شـاء الله .
كما أنَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليه وَ سلّم كان متيقّناً أنَّ المخاطبين بذلك الحديث لا يَشُكُّونَ في تقَدُّسِ الله تعالى عن الحاجة ، وَ إِنَّما جاءت الموعظة الشريفة موافِقة للحقيقة المُقَرَّرة عند السامعين ، أيْ كما تعرِفُونَ وَ توقِنُون بأنَّ الله تعالى لَمْ يُكَلِّفِ العِباد بالأوامِر الشرعِيّة عن حاجَةٍ إلى طاعاتِهِم بَلْ لِيُثِيبَهُم مِنْ فضلِهِ إِذا أقبَلُوا من باب الطاعة على وَجهِها مع الإِذعان وَ الإِحتساب وَ تحقَّقُوا بالعبْدِيّة ، فاعلَمُوا أنْ مقصد الصيام ليس مجرّد الجوع و العطش وَ لكِنْ من جُملة مقاصِدِ الصيام ترك قول الزور و العمل بِهِ ... { لعلَّكُم تَتّقُون } ... { لَنْ يَنالَ اللّهَ لُحومُها وَ لآ دِماءُها و لكِنْ ينالُهُ التقوى مِنْكُمْ كذلك سَـخّرها لكُمْ لِتُكبّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَ بَشـرِ المُحْسِـنِينَ } ...
أمّا السياق الذي نبَّهْنا عليه فهو مختلفٌ عن إِفادة مجرَّد التنزيه ، إِذْ التعليل بِنَفْيِ حاجة التأكُّد ( في حقّ الأنبياء عليهم السلام ) قَد لا يخلُو من إِيهام بعض الضعفاء حاجَةً للتأكُّد في حقّ غيرِهِم ... ( أي مع اختلاف الوضع إنضَمّ إلى كلمة " حاجة " كلمة " تأكُّد " ...) . و اللهُ أعلم .
وَ على كُلّ حال ، إِنْ لَمْ يتَّضِح الفرق لدى حضرَتِكُم للَطافَتِهِ وَ دِقَّتِهِ ، فنرجُو أنْ لا تلومونا على تذكير أنفُسِـنا جميعاً بِالإِحتياط في أسلوب التعبير ، وَ جزاكم اللهُ خيراً ...
كما أرجو أنْ لا تنزَعِجُوا من تذكيرِنا لأنفسنا جميعاً بِالعناية بِإِصلاح لِسانِنا وَ أنْ نتقَوّى في العربِيّة وَ خاصّةً الجيل الجديد ، فَإِنِّي في السنواتِ الأخيرة أرى عجائب في كتابات ذرارِي العربان حَتّى عند من يُسَـمَّونَ اليوم بالدكاتِرة ... وَ اللهُ المستعان .