أما دفعك في قضية قتل الخازندار فأقول : محفزات الجريمة لا تسوغ الجريمة ، والاستفزاز لا يصحح الاعتداء -- هذا بالطبع إن سلمنا بعمالة الخازندار رحمه الله !!!
والبنا نفسه مقر بخطأ القتل وعدم شرعيته كما نقلنا في الرابط المثبت أعلاه ، لكنه رام التفلت من الحكم الشرعي وتخليص أتباعه من القصاص بما ذكرناه فليراجع أعلاه وعليه نظرنا وانتقادنا ولم يأت أحد حتى الساعة بما يجعلنا نكف عن اعتباره سقطة شرعية شنيعة للجماعة ومؤسسها .
أما كلامك عن إخوان السودان والترابي فغير صحيح ويظهر عدم معرفة بإخوان السودان وتاريخهم ذلك أن الترابي وحزبه كانوا من الإخوان ، بل كانوا لحمة جسدالإخوان في السودان وسداه في فترة من الفترات وكان الترابي هو رأس الإخوان كلهم (المراقب العام) لسنين عديدة حتى انشقوا عنهم لا بسبب خلاف فكري أو عقدي بل بسبب تنظيمي حيث انشق الإخوان السودانيون إلى قسمين : قسم يرى ضرورة بقاء الحركة الإسلامية في السودان مرتبطة بالجركة الأم في مصر تابعة لها ضمن التنظيم العالمي ، وقسم أكبر رأى أن للسودان خصوصيته وللحركة الإسلامية السودانية ضروراتها التي لا يستطيع من هو من خارج السودان فهمها ، وبسبب ذلك حصل الانشقاق الكبير في جسد الحركة الإسلامية السودانية إلى مجموعة صغيرة حافظت على مسمى "جماعة الإخوان المسلمين" وجماعة أكبر عددا وعدة وتجهيزا وتمكنا وانتشارا تسمت باسم جبهة الميثاق ثم الجبهة القومية الإسلامية ثم المؤتمر الوطني بعد انقضاضهم على كرسي الحكم بانقلاب عام 1989م وهو الحزب الذي انشق لاحقا بعد ظهور الخلاف بين الترابي وتلامذته إلى مجموعة الرئيس الحاكمة (المؤتمر الوطني) ومجموعة الترابي المضطهدة من قبل إخوة الأمس (المؤتمر الوطني الشعبي) .
فالخلاف والشقاق لم يكن مبنيا على أسس فكرية أو مذهبية أو شرعية وإنما اختلاف تنظيمي بحت ، ولو نظر المتأمل في أدبيات حزب الترابي وأطروحاته ورؤيته بل وبناءه الحزبي الأسري ونظام الحزب الهرمي فيه وصولا حتى إلى الشعارات المنشورة والأدبيات والأشعار الملقنة للشبيبة الناشئة في الأسر فلن يجد إلا تلك الموجودة لدى الإخوان حتى يكاد الناظر يخالهما حزبا واحدا بمسميين اثنين .
ثم إنه يفوت الأخ - وهو بسبب عدم اطلاعه على الواقع السوداني - أنه وبعد انشقاق المؤتمر الوطني عام 1998م إلى حزب الرئيس وحزب الترابي قد سارعت قيادات وجموع جماعة (الإخوان المسلمين) في السودان التي احتفظت بالاسم وبالارتباط بالحركة الأم إلى الانضمام إلى حكومة الرئيس والمشاركة في السلطة بعد ان خرج من اللعبة ومن الصورة عدوهم اللدود الدكتور الترابي بقرارات الرئيس ، فتجد كبار الإخوان المسلمين في السودان مشاركين في وزارات الحكومة أو في استشارية الرئاسة مثل الدكتور عصام البشير والشيخ الحبر نور الدائم وغيرهم ، وتجد شباب الإخوان قد التحموا بل انصهروا وذابوا في شبيبة حزب المؤتمر الوطني الحاكم ، فالإخوان أصحاب الإسم مشاركون اليوم وبقوة في الحكم وكذلك في مخازي الحكم وجرائمه .
ثم قد فات الأخ أن كبار الإخوان حول العالم اجتمعوا في الخرطوم قبل نحو شهرين في مؤتمر الحركة الإسلامية السودانية وخاطبوا المؤتمر مشيدين بمسيرة الحركة وبدعمها للإخوان في كل مكان إبان زمن الشدة التي عاشوها في ظل الانظمة العربية ابتداء براشد الغنوشي الحاصل على جواز سفر دبلوماسي سوداني بعد أن هرب من تونس وليس انتهاء بمشعل حماس وددو موريتانيا وبديع مصر !!
كل هذه القيادات الإخوانية تداعت إلى مؤتمر الحركة الإسلامية الحاكمة في السودان لتشارك المؤتمر ووصفت التجربة الإسلامية في حكم السودان بالرائدة التي سبقت غيرها والتي ينبغي أن يستفيد منها غيرها من الإخوان الذين وصلوا إلى الحكم مؤخرا .
ولا أظن الأخ يكون إخوانيا أكثر من قادة الإخوان هؤلاء وهم لا يخرجون حكام السودان من الإخوان بل يعتبرونهم مثالا يحتذى ونبراسا يضيء لهم طريق الحكم الرشيد !!
وهذه روابط مفيدة
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%...AF%D8%A7%D9%86
http://www.azahera.net/showthread.ph...F+%E3%D4%DA%E1
والمتأمل في كلمة خالد مشعل ثم بديع ثم الغنوشي في مؤتمر الحركة الإسلامية الحاكمة في السودان الأخير قبل أشهر لا يملك أن ينكر الارتباط الوثيق بين الفصيل الإسلامي الحاكم في السودان اليوم وجركة الإخوان المسلمين الأم ، وسيعدو إنكاره ذلك كمن ينكر الشمس في رابعة النهار إذ صرح كبار قادة الإخوان في ذلك المؤتمر بأن مثال الحكم الإخواني في السودان هو الرائد الذي يريدون تقفي أثره والسير على مثاله وفي ضوء تجربته ، فتجربة الدولة الفاشية القمعية الفاشلة في السودان تمثل لهم خير تجربة للحكم الإسلامي الحديث المعاصر وهي ملهمة لهم كما كان قفز الإخوان على الحكم في السودان في غفلة من الجميع ملهما لهم ومعينا لهم في كثير من الأحيان .
وجميل أن الأخ اعترف بأن الإخوان في السودان اقصائيون ، لكني أصحح شيئا قليلا فأقول : لعل الوصف الأصح أن الإخوان في السودان مارسوا أشياء أسوء بكثير من مجرد الإقصاء في حق معارضيهم : قتل وتنكيل وتعذيب وسحل وسرقة ونهب واستحلال للمال العام .. وكله باسم الدين وفي سبيل الإله ودولة المشروع الإسلامي !!
شعارهم المفضل يردده الرئيس وحاشيته في كل مناسبة ولو كان افتتاح صالة رياضة او مسبح أو مسرح أو سينما : هي لله .. هي لله .. لا للسلطة ولا للجاه .. في سبيل الله قمنا نبتغي رفع اللواء ... لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء .. فليعد للدين مجده .. فليعد للدين عزه .. أو ترق منا دماء .. أو ترق منهم دماء .. أو ترق كل الدماء !!!!!
كل شيء لله .. في سبيل الله !!
تكبير !!!! تهليل !!!
حتى ما عاد التهليل تهليلا ولا التكبير تكبيرا !!
أقول وفي الفم مرارة وفي الحلق غصة : صار التكبير ورفع السبابة إلى السماء أثناءه مرتبطا في وعي العامة وبسطاء الشعب الكادح الصابر بالسرقة والنهب والفساد والنفاق بكل أسف ، ولن أحدثك عن الأجيال التي نشأت في ظل حكم الإخوان ورأت فساد من يتدثر بدثار الدين ويحكم باسمه ويسوغ جرائمه بأنها في سبيل الله وكيف أن الإلحاد والعلمانية انتشرا فيها كما لم ينتشرا من قبل في جيل من الأجيال السابقة بل ولا في أوج المد الشيوعي أو الاحتلال الأجنبي بسبب ما رأوا على مدى أكثر من عقدين من استخدام للدين في تحقيق غايات سياسية حزبية ومنافع شخصية وفي التغطية على فساد وانحراف كبيرين!!
دولة السودان الإخوانية الرشيدة التي يريد إخوان فلسطين ومصر وتونس تقفي أثرها تقبع في ذيل قائمة الدول الفاشلة والدول الاكثر فسادا في العالم (ثاني دولة في العالم من حيث الفساد الإداري والتعدي على المال العام)
http://www.alrakoba.net/news-action-show-id-36143.htm
هذا دون ذكر التردي المهول في الأخلاق والسلوك الاجتماعي واتساع الفجوة بين الغني والفقير وانهيار الخدمات والقائمة تطول جدا!!
وكما يقال عندنا بالدارجة : الجمرة تحرق الواطيها (من يطأها) ، وليس المخبر كالمعاين !!
وقد اتسع الخرق على الراتق ، وكم حاولنا نصحهم وحاول المشايخ ذلك وكنا أحرص منهم على نجاح تجربة الحكم الإسلامي وكنا ندعو الناس لهم أول حكمهم ونتأول أخطاءهم وندافع عنهم حتى نفد منا الكلام وأحرجتنا أخطاءهم المتوالية وعاد الأمر أكبر من أن نحاوله ، وهم يقابلون كل من ينصحهم من خارج حزبهم - بل ومن حزبهم أيضا - بالريبة ويأخذون الناس بالشكوك ، وكم نصحهم ناصح أمين فوجد نفسه يقبع في زنزانة بلا شمس ولا هواء ، أو وجد نفسه بلا عمل ولا رزق أو حبيس داره !!
أما الكلام عن الجنوب وحرب الجنوب ففيه الكثير من الإجمال المخل بجذور المشكلة وأسها ، وليس الأمر كما تتصور ، ولكن تلك قصة في شرحها طول .
والله الموفق .