قال الإمام الأشعري: (حكي عن أصحاب مقاتل أن الله جسم وأن له جثةً وأنه على صورة الإنسان لحم ودم وشعر وعظم وجوارح وأعضاء من يد ورجل ورأس وعينين مصمت وهو مع ذلك لا يشبه غيره ولا يشبهه غيره) [مقالات الإسلاميين 152و209]
وحكى عنه _أي عن مقاتل_ الشهرستاني أنه قال قد ورد في الخبر أن الله خلق آدم على صورة الرحمن فلا بد من تصديقه [الملل والنحل178]
ومن مرويات مقاتل في التجسيم ما أخرجه الذهبي بسنده عن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال: (إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين حبيب الله ؟ فيتخطى صفوف الملائكة حتى يصير إلى العرش حتى يجلسه معه على العرش حتى يمس ركبته) [ميزان الاعتدال 4/174 وهو خبر موضوع كما نبه عليه الذهبي]
ومن العجيب بعد شهرة نسبة التجسيم إلى مقاتل أن يحاول ابن تيمية رحمه الله إنكاره فيقول: (وأما مقاتل فالله أعلم بحقيقة حاله والأشعري ينقل هذه المقالات من كتب المعتزلة وفيهم انحراف عن مقاتل بن سليمان فلعلهم زادوا في النقل عنه أو نقلوا عن غير ثقة وإلا فما أظنه يصل إلى هذا الحد…ومقاتل بن سليمان وإن لم يكن يحتج به في الحديث لكن لا ريب في علمه بالتفسير وغيره) [منهاج السنة 2/618]
فلو سلمنا أن الإمام الأشعري نقل ما نقل من كتب المعتزلة المنحرفين عن مقاتل فلَم ينحرف عنه المعتزلة إلا لمقالته التي سبق عن الإمام أبي حنيفة أنه أشار إلى خبثها. وإفراطه في التشبيه ونسبة التجسيم إلى مقاتل لم ينفرد بها المعتزلة فقد أخرج الخطيب البغدادي بسنده عن أحمد بن سيار(إمام المحدثين في بلده) أنه قال: (مقاتل متروك الحديث كان يتكلم في الصفات بما لا تحل الرواية عنه) [تاريخ بغداد 13/162و انظر نحوه في المنتظم لابن الجوزي 8/126]
وأخرج بسنده عن الإمام أحمد أنه قال مقاتل بن سليمان كانت له كتب ينظر فيها[تاريخ بغداد 13/ 162]
وقال ابن حبان: (كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم وكان مشبهاً يشبه الرب بالمخلوقين وكان يكذب مع ذلك في الحديث)[ المجروحون 2/15 وانظر نحوه في التعديل والتجريح للباجي 1/197 والضعفاء لابن الجوزي 1/136 ووفيات الأعيان لابن خلكان 5/255]
وقال الذهبي: (ظهر بخراسان الجهم بن صفوان ودعا إلى تعطيل صفات الله عز وجل.. وظهر في خراسان في قبالته مقاتل بن سليمان المفسر وبالغ في إثبات الصفات حتى جسم وقام على هؤلاء علماء التابعين وأئمة السلف وحذروا من بدعهم)[ طبقات الحفاظ 1/159]
وهؤلاء لا يطعن في نقلهم بانحرافهم عن مقاتل. وأما استشهاد ابن تيمية رحمه الله بعلم مقاتل في التفسير فلم يبرئه الذهبي بهذا العلم من التجسيم بل قال: (..قد لطخ بالتجسيم مع أنه كان من أوعية العلوم بحراً في التفسير)[ طبقات الحفاظ 1/147]
على أن الخطيب نقل في تاريخ بغداد ما يطعن في هذا التفسير أيضا فقد نقل أنه جمع تفاسير الناس فجعلها لنفسه وحدث بها من غير سماع [تاريخ بغداد 13/162 وانظر المنتظم لابن الجوزي 8/126 و تهذيب الكمال للمزي 28/436]
إذا تبين هذا نقول: هل من علاقة بين الرغبة في تبرئة مقاتل واتفاق ما يسمى بعقيدة السلف مع قول مقاتل في إثبات الصورة والإقعاد على العرش ؟
انتهى النقل من كتاب: ((التجسيم في الفكر الإسلامي)).
وأعيد صياغة السؤال الأخير بشكل أبسط: ما مصلحة ابن تيمية في الدفاع عن مقاتل الذي نص كبار الحفاظ على تورطه في التجسيم؟؟!!
والجواب لن يكون صعباً: فقد كان لا بد لابن تيمية من الدفاع عن مقاتل لاتفاقهما في الاعتقاد في رب العالمين، ولأنه يرى أن مقاتلاً على عقيدة السلف.
ويذكر ابن تيمية في مواطن من كتبه أن ذم التجسيم لم يرد في كتاب ولا سنة.
ويصر على أنه ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم، ويقصد بذلك الخالق والمخلوق.
ويدافع هنا عن مقاتل الذي نص كبار الحفاظ على تورطه بالتجسيم.
ويحاول الرد على كتاب: "تأسيس التقديس" للإمام الرازي، مع أن الكتاب موجه للمجسمة من الكرامية وغيرهم، فهو يحاول برده هذا إعادة الاعتبار إلى مذهب التجسيم.
بعد كل هذا: يأتي أتباع ابن تيمية محاولين تبرئته من التجسيم !!!
يا عجباً كيف يصنع التعصب بأهله!!!
يا أتباع ابن تيمية: والله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر فاطمة عليها السلام أنه لن يغني عنها من الله شيئاً، فهل سيغني عنكم ابن تيمية من الله شيئاً؟؟!!