بسم الله ، والصلاة والسلام على رسول الله:
الحكم بالتكفير على المسلمين:*من كتابي الحنابلة والاختلاف مع السلفية المعاصرة
لم يكن الامام أحمد بن حنبل جريئا على تكفير المسلمين كما يفعل أكثر السلفية المعاصرة، بل كان يتورع عن تكفير الفرق الأخرى كالشيعة والمرجئة والخوارج والمعتزلة ، فما نقول اليوم فيمن يكفرهم –ويستحل دماءهم- ويكفر معهم بقية أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتريدية والصوفية؟
معرفة الامام أحمد بالمذاهب والتفصيل في الحكم عليها
إن من أهم شروط من يفتي بتكفير الفرق والمذاهب والجماعات المعرفة الدقيقة بأقوالهم ولا تكفي المعرفة الإجمالية لأن التكفير أمره خطير قال رسول الله : " من قال لأخيه يا كافر...."
وإن الامام أحمد كان عارفاً بالمذاهب في عصره معرفة دقيقة ولذلك كان حكمه عليها حكماً تفصيلياً، فقد سئل عن المرجئ من هو؟ فقال : « من قال : إن الإيمان قول » الشريعة للآجري.
و امتنع الامام أحمد عن تكفير المرجئة مع أنه ضللهم في قولهم أن العمل ليس ركناً في الإيمان فعن إسماعيل بن سعيد قال سألت أحمد هل تخاف أن يدخل الكفر على من قال الإيمان قول بلا عمل؟ فقال لا يكفرون بذلك . ولم يمنع الامام أحمد من الدعاء لهم –كما منع بعض شيوخ السلفية المعاصرة من الدعاء لبعض المسلمين المخالفين - قال أبو بكر المروذي قيل لأبي عبدالله المرجئة يقولون الإيمان قول فأدعو لهم؟ قال: أدعو لهم بالصلاح .
وقال عبدالله بن أحمد قال قلت لأبي من الرافضة قال الذي يشتم ويسب أبا بكر وعمر رحمهما الله .
وقال أبو بكر المروذي قال سمعت أبا عبدالله يقول: القدرية أشد اجتهادا من المعتزلة .
أما القدرية فقد قال عبدالله بن أحمد قال سمعت أبي وسأله علي بن الجهم عمن قال بالقدر يكون كافرا؟ فقال أبي إذا جحد العلم إذا قال الله جل وعز لم يكن عالما حتى خلق علما فعلم فجحد علم الله عز و جل كافر قال وسمعت أبي يقول إذا قال الرجل العلم مخلوق فهو كافر لأنه يزعم أنه لم يكن له علم حتى خلقه // إسناده صحيح
أما حكمه على اللفظية فقد قال محمد بن إسحاق الصغاني، سمعت فوران صاحب أحمد،.قلت: فاللفظية تعدهم يا أبا عبد الله في جملة الجهمية ؟ فقال: لا. الجهمية الذين قالوا: القرآن مخلوق". وهذه رواية تدل على كذب رواية تكفيرهم.
وسئل عن الحرورية والمارقة يكفرون؟ قال: اعفني من هذا وقل كما جاء فيهم الحديث .
عدم استباحة الدماء
فانظر الى اعتدال الامام أحمد في حكمه على الفرق الأخرى، وانظر الى ادراكه لأقوالهم ومذاهبهم ،
وقد سار علماء الحنابلة على هذا المنهج فقد روى عبدالله بن إمامنا في السنة عن الامام سفيان الثوري يقول من صلى إلى هذه القبلة فهو عندنا مؤمن والناس عندنا مؤمنون بالاقرار والمواريث والمناكحة والحدود والذبائح والنسك ولهم ذنوب وخطايا الله حسيبهم إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ولا ندري ما هم عند الله عز و جل "
وقال الامام الموفق ابن قدامة:" ولا ننزل أحدا من أهل القبلة جنة ولا نارا إلا من نزله رسول الله صلى الله عليه و سلم لكنا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ولا نخرجه عن الإسلام بعمل "
كما رد ابن قدامة على بعض الحنابلة فيمن حكموا بالكفر على بعض المسلمين وذكر أنه لا يجوز التكفير إلا بسببين:
وقال الطوفي في شرح مختصر الروضة:
وهذا ما يوافق عليه تقي الدين ابن تيمية حيث قال: وأما السلف والأئمة فلم يتنازعوا في عدم تكفير " المرجئة " و " الشيعة " المفضلة ونحو ذلك ولم تختلف نصوص أحمد في أنه لا يكفر هؤلاء وإن كان من أصحابه من حكى في تكفير جميع أهل البدع - من هؤلاء وغيرهم - خلافا عنه أو في مذهبه حتى أطلق بعضهم تخليد هؤلاء وغيرهم وهذا غلط على مذهبه وعلى الشريعة . ومنهم من لم يكفر أحدا من هؤلاء إلحاقا لأهل البدع بأهل المعاصي قالوا : فكما أن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحدا بذنب فكذلك لا يكفرون أحدا ببدعة" .
وقال:" ولكن المقصود هنا أن مذاهب الأئمة مبنية على هذا التفصيل بين النوع والعين ولهذا حكى طائفة عنهم الخلاف في ذلك ولم يفهموا غور قولهم فطائفة تحكي عن أحمد في تكفير أهل البدع روايتين مطلقا حتى تجعل الخلاف في تكفير المرجئة والشيعة المفضلة لعلي وربما رجحت التكفير والتخليد في النار وليس هذا مذهب أحمد ولا غيره من أئمة الإسلام بل لا يختلف قوله أنه لا يكفر المرجئة الذين يقولون : الإيمان قول بلا عمل ولا يكفر من يفضل عليا على عثمان بل نصوصه صريحة بالامتناع من تكفير الخوارج والقدرية وغيرهم . وإنما كان يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته ؛ لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرة بينة : ولأن حقيقة قولهم تعطيل الخالق وكان قد ابتلي بهم حتى عرف حقيقة أمرهم وأنه يدور على التعطيل وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة . لكن ما كان يكفر أعيانهم فإن الذي يدعو إلى القول أعظم من الذي يقول به والذي يعاقب مخالفه أعظم من الذي يدعو فقط والذي يكفر مخالفه أعظم من الذي يعاقبه ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية : إن القرآن مخلوق وإن الله لا يرى في الآخرة وغير ذلك . ويدعون الناس إلى ذلك "
ولقد كان من طريقة الامام أحمد إطلاق الكفر على بعض الكبائر وليس مقصوده من كلامه الكفر الأكبر المخرج من الملة قال ابن النجار :"وحكى ابن حامد عن أحمد جواز إطلاق الكفر والشرك على بعض الذنوب التي لا تخرج من الملة " ، و هذا مبالغة منه في التشديد على مثل هذه الأقوال البدعية .
والقاعدة العامة في التكفير هي عدم تكفير أحد من أهل القبلة إلا إذا أنكر معلوماً من الدين بالضرورة وبعد إقامة الحجة عليه وإعلامه بها ، وبعد كل ذلك لا يجوز استباحة دمه إلا بعد شروط شديدة. وهذا قول :إمامنا المبجل أحمد واختاره القاضي أبو يعلى ، وابن عقيل ، وابن الجوزي ، والموفق ابن قدامة ، وقد انتصر ابن قدامة لهذا القول برسالة رد بها على الفخر ابن تيمية الذي تسرع في التكفير.
وقال الشيخ العلامة سليمان بن عبدالوهاب التميمي الحنبلي في الرد على أخيه «ولتعلموا أنَّ هذه الأمور التي تكفرون بها، وتخرجون المسلم بها من الإسلام، ليست كما زعمتم أنه الشرك الأكبر، شرك المشركين، الذين كذَّبوا جميع الرسل في الأصلين، وإنما هذه الأفعال التي تكفرون بها من فروع هذا الشرك، ولهذا من قال من العلماء أنها شرك، وسماها شركاً: عدَّها في الشرك الأصغر، ومنهم من لم يسمها شركاً وذكرها في المحرمات، ومنهم من عدَّ بعضها في المكروهات، كما هو مذكور في مواضعه من كتب أهل العلم، من طلبه وجده»
وقال إن فاعل الشرك: «لا يكفر حتى تقام عليه الحجة التي يكفر تاركها، وأن الحجة لا تقوم إلا بالإجماع القطعي لا الظني، وأن الذي يقيم الحجة الإمامُ أو نائبه...وأن المسلم المقر بالرسول إذا استند إلى نوع شبهة تخفى على مثله: لا يكفر، وأنَّ مذهب أهل السنة التحاشي عن تكفير من انتسب إلى الإسلام...وأنَّ المكفرين هم أهل الأهواء والبدع، وأن الجهل عذرٌ عن الكفر، وكذلك الشبهة، ولو كانت ضعيفة»
وبين أن هؤلاء الذين يكفّرهم أتباع ابن عبدالوهاب مسلمون مؤمنون، عقائدهم هي عقائد أهل السنة والجماعة.
تقسيم التوحيد:
تعتمد السلفية المعاصرة في تكفيرهم للمسلمين على تقسيم التوحيد الى ثلاثة أقسام : الربوبية والألوهية والأسماء والصفات. ومن لم يتحقق بها على مرادهم فهو مشرك غير موحد.
وهذا من المسائل المحدثة المبتدعة في العقائد التي غالت بها السلفية المعاصرة .
ونسألهم عدة أسئلة تبين بطلان ما ذهبوا إليه:
هل قال الامام أحمد بهذا التقسيم الثلاثي ؟ أليس هذا ابتداع في دين الله وخروج عن طريقته ؟
هل من قال بالتوسل فقد أنكر توحيد الالوهية؟ وهل المسلمون عبدوا النبي ص حين توسلوا به أو زاروا قبره الشريف؟
هل من وافق السلف في تأويل بعض الآيات-كما فعل الامام أحمد- قد أنكر توحيد الصفات؟
ونعكس السؤال عليهم: هل من لم ينف التجسيم والجوارح-مثلهم- قد صح عنده توحيد الصفات؟ وهل من أخذ بالمعنى الحسي الظاهري للصفات قد وحد الله كما يجب؟
وهل المشركون في عهد النبي ص يدخلون الجنة فهم قد وحدوا الله توحيد ربوبية ؟ ولا يبقى في جهنم من في قلبه ذرة من توحيد!
نعم بعض المشركين كانوا يقرون بأن الله هو الخالق والرازق ولكن يعبدون غيره ويشركونهم معه. فلذلك كفروا لأن فعلهم واعتقادهم لا يوافق قولهم والإيمان قول وإقرار وعمل ، فهم كفار لأنهم أتوا بالقول فقط وليس لأنهم لم يوحدوا توحيد الألوهية.
فالنبي ص كان يدعو المشركين الى توحيد الله دون أن يفرق بين توحيد الربوبية والألوهية ، ولكنه بين لهم أن الإيمان لا بد فيه من العمل وأن يوافق الاعتقاد ولذلك فإن سؤال الملكين في القبر : من ربك؟ وليس من إلهك ، فالسؤال عن الربوبية يتضمن توحيد الألوهية ، فلو قلنا بالتفريق لقلنا أن كل المشركين سيرضى عنهم الملكان وسينجون من عذاب القبر.
ثم كيف يصح قياس تكفير المسلمين على تكفير المشركين مع أن الفارق كبير؟ وهو أن المسلمين أقروا بالشهادتين وبنبوة محمد وبالبعث وبكل أصول الإيمان والاسلام أما بعض المشركين اعترفوا بوجود الخالق فقط ولكن لم يقروا بوحدانيته ولم يقروا بنبوة محمد ص ولا بالبعث ولا بأركان الاسلام.
فقولهم في التقسيم يلزم منه لوازم باطلة منها:
• أن المشركين يدخلون الجنة لأنهم موحدون
• أن المشركين لا يعذبون في قبورهم لأنهم يسألون عن ربهم لا إلههم
• أن المتوسلين بذات النبي ص كفار تستباح دماؤهم وأموالهم.
• أن في قولهم هذا عقيدة المرجئة من ناحية وعقيدة الخوارج من ناحية أخرى.
• أننا لو قلنا بهذا التقسيم فهم أول الخارجين من التوحيد لأنهم يثبتون تأثيراً للأحياء من دون الله تعالى، ويفرقون بين الطلب بين الحي والميت بناءً على ذلك. وأهل السنة لا يثبتون تأثيراً إلا بقدرة الله وإرادته. ويرون أن للنبي ص كرامات.
وهم ألحدوا في صفات الله فلم ينفوا عنه الجوارح والابعاض والجسمية.
هذا كله يثبت بطلان التقسيم للتوحيد.
تكفير الشيعة:
إن أكبر الطوائف بعد الطائفة السنية هي طائفة الشيعة ، ولا نجد عن الامام أحمد تكفيراً صريحاً لهم إلا الغلاة منهم ، ولقد أجاز الإمام أحمد الرواية عن المبتدعة والصلاة خلفهم فكيف يكفرهم، قال ابن مفلح في كتابه الفروع :"وفي الفصول في الكفاءة في جهمية وواقفية وحرورية وقدرية ورافضة : إن ناظر ودعا كفر وإلا لم يفسق ، لأن الإمام أحمد قال : يسمع حديثه ويصلى خلفه ، قال : وعندي أن عامة المبتدعة فسقة كعامة أهل الكتابين كفار مع جهلهم ، قال : والصحيح لا كفر ، لأن أحمد رحمه الله أجاز الرواية عن الحرورية والخوارج" .
ثم نقل عن ابن هانئ في الصلاة خلف من يقدم عليا على أبي بكر وعمر قال أحمد: إن كان جاهلا لا علم له أرجو أن لا يكون به بأس .
وقال صاحب المحرر (المجد ابن تيمية الجد): الصحيح أن كل بدعة لا توجب الكفر لا يفسق المقلد فيها لخفتها ، مثل من يفضل عليا على سائر الصحابة"
وعند الامام أحمد من كفر الصحابة وحكم بردتهم فهو كافر. أما من يسب بعضهم دون أن يكفره فيفسق .
ولم يستحل الامام أحمد دماء الشيعة والرافضة فقد قال فيمن سب الصحابة : أما القتل فأجبن عنه ولكن أضربه ضربا نكالا . ولم أجد نصاً عن الامام أحمد في استباحة دم أحد من أهل الضلالة إلا ما كان نحو بابك الخرمي .
وقد فصل أبو يعلى في المعتمد ص 255 وما بعدها في تكفير الرافضة فقال"فصول من الكلام على غلاة الرافضة" وفصل في الفرق267. ولم يكفر في كل أقوالهم.
و الشيخ ابن تيمية مشى على منهج إمامنا المبجل الامام أحمد بن حنبل-ودار حول كلامه- في تفصيل القول في تكفير فرق الشيعة فهو يفصل في تكفير الرافضة بين الغلاة وغير هم فأما الغلاة كالإسماعيلية فهم أكفر من اليهود والنصارى عنده وأما الاثني عشرية ونحوها فلا يكفرهم بإطلاق.
ومما ينبغي أن يعلم في هذا المقام : أن الشيعة ليسوا على مرتبة واحدة في دينهم , ولهذا السبب تعددت الأحكام الصادرة عليهم من العلماء والأئمة , وحاصل ما ينتهي إليه الحكم على الشيعة هو أن يقال : إن الشيعة على ثلاثة أقسام : قسم كافر بالإجماع , ومن هؤلاء : الشيعة الإسماعيلية والنصيرية والقرامطة , والغلاة في علي رضي الله عنه - المؤلهين له- , وقسم غير كافر بالإجماع , ومن هؤلاء : الشيعة المفضلة , وقسم وقع فيه خلاف بين العلماء , ومن هؤلاء : الاثني عشرية .
وهذا التقسيم هو الذي يدل عليه كلام ابن تيمية رحمه الله , فإنه لما ذكر الفرق التي أجمع الأئمة على عدم كفرهم ذكر منهم الشيعة المفضلة , وكذلك كرر كثيرا أن الإسماعلية النصيرية والقرامطة , وغيرهم من غلاة الشيعة كفار بالإجماع , وذكر في مواطن من كتبه أن العلماء لهم في الرافضة قولان , هما روايتان عن الإمام أحمد. .
وهذا التقسيم الثلاثي استعمله ابن تيمية في بيانه لحكم الفرق المنتسبة للإسلام , فالفرق عنده لا تخرج عن هذه الأقسام الثلاثة.
وعلى هذا فإنه لا يصح أن يقال : إن ابن تيمية لا يكفر الشيعة بإطلاق , ولا إنه يكفرهم بإطلاق , بل حكمهم عنده على التفصيل الذي سبق ذكره .
ومما يدل على هذا من كلامه عدة أمور منها :
الأمر الأول : أنه نص على وصفهم بالإسلام , وفي هذا يقول :" وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير , وانتفعوا بذلك , وصاروا مسلمين مبتدعين , وهو خير من أن يكونوا كفارا " .فهذا الكلام من ابن تيمية يدل على أن وصف الإسلام ثابت لهم , وأن دخول الكافر في الإسلام على مذهب الرافضة خير له من بقائه على كفره .
وقال أيضا في المقارنة بين الاثنا عشرية والاسماعيلية:" والإمامية الاثنا عشرية خير منهم-أي من الاسماعيلية- بكثير , فإن الإمامية مع فرط جهلهم وضلالهم فيهم خلق مسلمون باطنا وظاهرا , ليسوا زنادقة منافقين , لكنهم جهلوا وضلوا واتبعوا أهواءهم , وأما أولئك فأئمتهم الكبار العارفون بحقيقة دعوتهم الباطنية زنادقة منافقون , وأما عوامهم الذين لم يعرفوا أمرهم فقد يكونون مسلمين "
و لما سئل عمن يفضل اليهود والنصارى على الرافضة أنكر هذا وقال : " كل من كان مؤمنا بما جاء به محمد فهو خير من كل من كفر به , وإن كان في المؤمن بذلك نوع من البدعة , سواء كانت بدعة الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية أو غيرهم "
وقد زاد الامام ابن تيمية في التفصيل فحكم بالكفر على بعض العقائد التي يعتقدها الغلاة منهم فقال:"أما من اقترن بسبه دعوى أن عليا إله أو انه كان هو النبي وإنما غلط جبريل في الرسالة فهذا لاشك في كفره. بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره، و كذلك من زعم منهم أن القران نقص منه آيات وكتمت , أو زعم أن له تأويلات باطنية تسقط الأعمال المشروعة , ونحو ذلك , وهؤلاء يسمون القرامطة والباطنية , ومنهم التناسخية , و هؤلاء لا خلاف في كفرهم. وأما من سبهم سبا لا يقدح في عدالتهم و لا في دينهم , مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد ونحو ذلك، فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير ولا يحكم بكفره بمجرد ذلك. وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من العلماء. وأما من لعن وقبح مطلقا , فهذا محل الخلاف فيهم , لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد. وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله إلا نفرا قليلا لا يبلغون بضعة عشر نفسا أو أنهم فسقوا عامتهم فهذا لا ريب أيضا في كفره، فانه مكذب لما نصه القران في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم. بل من يشك في كفر مثل هذا فان كفره متعين فان مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق وان هذه الأمة التي هي: ( كنتم خير امة أخرجت للناس ) وخيرها هو القرن الأول، كان عامتهم كفارا أو فساقا، ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم و أن سابقي هذه الأمة هم شرارها. وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام .