ليس من شأن المنطقي من حيث هو منطقي أن يعرف الأشياء. المنطق يضع القواعد التي يعرف بها كيف يكون التعريف الصحيح. ما هي أركانه وشروطه. العلوم المختلفة كعلم الأحياء، أو الاجتماع، أو السياسة.. إلخ لها تعريفات مختلفة للإنسان بحسب الجهة التي تبحث فيها تلك العلوم. وليس ذلك مشكلاً أبداً لجواز تعدد الرسوم لأن النظر في التعريفات الرسميّة من جهة الخواص وهي عوارض يمكن أن تتعدّد.
المشكلة حين يكون هنالك حدّ تام. فهل الحيوان الناطق حدّ تام للإنسان أو لا؟
قد يناقش في ذلك مثلما أورد المعترض، ولا إشكال في ذلك. فقد لا يسلّم أنّ حقيقة الإنسان هي مجرد الحيوانية والناطقيّة. ولا إشكال في ذلك. الحيوان الناطق يورد في كتب المنطق من حيث هو مثال على الحد التام. والمثال ينظر إليه باعتبار أنّه صحيح. أي يؤخذ مسلم الصحة، ولا يناقش فيه. فالمناطقة يقولون: إذا فرضنا أنّ الحيوان هو الجنس القريب للإنسان، وأن الناطق هو الفصل القريب له، وأنّ هذا القدر تام كاف لا يحتاج إلى قيد آخر معه للوقوف على حقيقة الإنسان، فعندئذٍ يكون "الحيوان الناطق" حداً تاماً للإنسان؛ لأنّ الحدّ التام هو المركب من الجنس والفصل القريبين. هذه هي المسألة ببساطة. وليس في القدح في هذا التعريف ما يقدح في المنطق نفسه، كما يتوهمه كثير ممن رأيتهم يناقشون في أمثلته الموجودة في الكتب. الذي يريد أن يقدح في المنطق من جانب التعريف بالحد التام عليه أن يبيّن أن الحد التام الذي هو تعريف الشيء بجميع ذاتياته -الأقرب والألصق بالمعرّف- لا يفيد تعريف الشيء بكنهه والوقوف على حقيقته، لا أن يعترض على مثال يورده المناطقة لتفهيم القاعدة مأخوذاً على تسليم صحته!
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ وأنت خير الفاتحين