هل الإيمان قول وعقد وعمل
- مسمى الإيمان -
بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على رسول الله و آله و صحبه أجمعين. أما بعد:
* مقدمة: اختلف الناس في الإيمان على أقوال؛ و معلوم أن اختلافهم ليس في مجرد التسمية بل هي حكم دنيوي و أخروي خطير. سنستعرض أهم الأقوال و نناقش صحيحها من سقيمها بحول الله تعالى.
ملاحظة: لن ننسب الأقوال إلى قائليها حتى نفرغ منها لكي نكون على جلية من الأمر.
فقال قومٌ: الإيمان قول باللسان.
و قال آخرون: الإيمان عقدٌ في القلب.
و قال قوم: الإيمان قول باللسان و عقد بالقلب.
و قال قوم: الإيمان قول و عقد و عمل.
1)- لنعرف أولاً بعض الأشياء؛ قول باللسان: و هو قول لا إله إلا الله محمد رسول الله و ترك ناقضه القولي كشتم الدين. حديث ابن عمر:"أمرت أن أقاتل الناس...." في البخاري و مسلم بروايات متعددة.
عقد في القلب: الإيمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و القدر خيره و شره. و ترك ناقضه كاعتقاد وجود شريك لله. الآية في سورة النساء:"آمنوا بالله و ملائكته..." و حديث عمر:"هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" عند مسلم في أول صحيحه.
و سنأتي إلى القول في العمل إن شاء الله.
2)- فأما القول الأول فهو باطل لوجوه:
أولاً- لأنه يلزم منه أنّ المنافقين مؤمنون. و حسبك فساداً فإن الله تعالى قال: "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار و لن تجد لهم نصيراً" سورة النساء. و الأمة مجمعة على أن المنافقين خالدون في جهنم.
ثانياً- أنه مخالف لحديث عمر رضي الله عنه في الإيمان و الإسلام و الإحسان.
ثالثاً- أن الآيات و الأحاديث التي تناقض هذا أكثر من أن تحصر؛ و لن نطيل و لكن هاك بعضها:
قوله تعالى: قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا و لكن قولوا أسلمنا و لما يدخل الإيمان في قلوبكم"
قوله تعالى: "و لقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن و الإنس لهم قلوب لا يفقهون بها..."
ووجه الاجتماع بها أنه إن لم يكن واجباً عليهم عقد القلب فلم ذمهم و جعل مأواهم النار؟!
و يكفي هذا بحمد الله...
3- أما القول الثاني فهو باطل أيضاً و هو قول خطير يحتاج إلى بسط بطلانه.
و قولهم الإيمان: عقدٌ بالقلب. فيه ما يلي:
أولاً)- أن الذي يشتم الدين و الرسول و الربّ سبحانه عندهم إن كان معتقداً بلقبه الإيمان فهو مؤمن؛ و هذا عين الضلال فكيف و الأمة مجمعة على أن من يشتم الرسول أو الدين و الربّ فهو كافر مرتدٌّ حلال الدم.
و لهم شبهة سنأتي عليها إن شاء الله تعالى.
ثانياً)- يلزمهم أن أكثر الكفار و أئمة الضلال عندهم مؤمنون؟! اسمع قوله سبحانه عن قوم فرعون: " وجحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلماً و علواً" النمل.
و قوله عن اليهود و النصارى " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" البقرة.
و حتى إبليس يلزمهم على قولهم أنه مؤمن؟! اقرأ الآيات التي تتحدث عن عصيانه ربّ العالمين في سور البقرة و الأعراف و الحجر و ص تجد أنه مصدقٌّ بوجود الله و الملائكة و اليوم الآخر و النبيين و مع ذلك فهو من الكافرين....
ثالثاً)- شبهتهم هي أن هناك أقوالاً و أفعالاً تدل على أن ما في القلب كفر. و بهذا يجيبون على ما سبق فيقولون: إن شاتم الرسول مثلاً لا يجتمع قوله مع الإيمان في قلبه فقد كفر بهذا القول لأنه يدل على أنه كفر بقلبه.
فالجواب بحمد الله من وجوه:
أولاً)- ما دليلكم على هذا؟ فهي دعوى بلا برهان.
ثانياً)- يصح قولكم إن قلتم بالتلازم بين عمل القلب و الجوارح بشكل كلي و هذا فاسد لأن الله حدثنا عن قوم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.
ثالثاً)- نقول لكم بم تعرفون الأعمال و الأقوال التي تدل على أنّ ما في القلب كفر و الأعمال التي لا تدل على ذلك؟!
فإن سمّوا شيئاً معيناً فقد تحكموا بغير دليل. و إن قالوا بل ما وجدنا في كتاب الله و سنة رسوله من قول أو عمل سماه كفراً قلنا به و لكن نقول هو كفر لأنه يدل على أن ما في القلب كفر.
قلنا لهم: كذلك فالزموا و كفّروا من كفر الله و رسوله و لكن بقي لكم أن شبهتكم لا دليل عليها، بل نقول: هو كفر لأن الله و رسوله سمّاه كفراً سواء كان قولاً أو عملاً أو عقداً.
و الحمد لله أولاً و آخراً.....
4)- و أما من قال: الإيمان: قول باللسان و تصديق بالجنان ( أي عقد بالقلب ) فقد قدمنا بطلان شقيه مفردين و هو أقل فساداً مما قبله و لكن يلزمهم:
أولاً)- أن الذي يدوس المصحف ليس بكافر إن كان قائلاً بالشهادة معتقداً الإيمان بقلبه!
كيف و الأمة مجمعة على كفره و ردته. و كذلك يلزمهم في الساجد لصنمٍ و قاتل النبي...
فإن أجابوا بما أجاب به من قبلهم فقد بينا ما فيه و الحمد لله.
- شبهة لهم: يقولون: ما تقولون في رجل نطق بالشهادة و عَقَدَ بقلبه ثم مات قبل أن يعمل أي عملٍ؟ أليس مؤمناً؟
فالجواب: قد ذهبت عنكم وجوب الاستطاعة فهذا ما قدر على العمل و الله يقول:" لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" البقرة.
ثم نعكسها عليهم فنقول: ما تقولون في رجل عقد بقلبه و لم ينطق بلسانه لأنه أخرس جملة ثم مات؟!
5)- و أما من قال: الإيمان: عقد و قول و عمل أي قول باللسان و تصديق بالجنان و عمل بالأركان. فلا بد من معرفة المراد من القول: " و عمل بالجوارح"
أولاً)) إن كان المراد أفراد العمل الواجب فهذا باطل لأنه يلزم منه التكفير بترك الواجب صغيراً كان أو كبيراً.
ثانياً)) إن كان المراد العمل الذي تركه كبيرة أو ترك الشئ الذي فعله كبيرة كالزكاة و الزنا.... فهو باطل لأنه يلزم منه التكفير بالكبائر. و الأدلة على عدم الكفر بالكبيرة كثيرة جداً .... منها الحدود، حدُّ السارق والزاني و القاذف ... و لسنا بصدد بيان بطلانه تفصيلاً فهو أمر معلوم.
ثالثاً)) فسر بعضهم هذا القول بأن المراد بالعمل أنه شرط في كمال الإيمان لا في أصله. و هذا فاسدٌ من وجوه:
1- أنه يرجع إلى القول الذي قبله
2- أنهم جعلوا المعنى في هذا القول ركنا الإيمان العقد و القول و ركن كماله العمل و هذا تجوزٌ لا دليل عليه.
3- يلزمهم أن الساجد لصنمٍ مؤمنٌ ناقص الإيمان!
رابعاً)) إن المراد بالعمل هو أن جنس العمل مشترط في الإيمان و هذا هو الصحيح بإذن الله. و هذا له لازمان:
1- ما حكم التارك للعمل الواجب جملةً؟
2- هل يصح التكفير بالعمل أي بفردٍ معين منه؟
جواب الثاني أن ما أخبرنا الله و رسوله بكونه كفراً من الأعمال و الأقوال قلنا به إلا أن تقوم دلالة على غير ذلك.
و الدليل على صحة هذا القول الإجماع. فإن قلت كيف؟ قلنا: قد علمنا يقيناً أن فئة كبيرة من صحابة رسول الله قد كفّروا تارك الصلاة و فئة لم تكفره و لم ينكر بعضهم على بعض " التارك للصلاة كسلاً لا جحوداً فإنهم مجمعون على تكفير الجاحد"
فهذا إجماع منه على الشئ الذي قلناه؛ لأنه لو كانت الفئة المكفرة لا تشترط العمل في الإيمان لما كفّروا و لا يقولون: (هذا يدل على أن ما في القلب كفر) لأنا نتكلم عن التارك كسلاً لا جحوداً كأن قال: أنا أقر بها و أؤمن بوجودها و لكن أتكاسل عنها.
و لو كانت الفئة الثانية غير المكفّرة لا تشترط العمل أي جنسه في الإيمان لأنكروا عليهم فهذا عندهم مؤمن و معلوم أن تكفير المؤمن ذنب عظيم.
و لا يقولن قائل: و لكنهم لم يكفّروه! لأنّا نقول: خالفوهم في فردٍ من أفرادِ العمل ووافقوهم على الأصل فهو الإجماع.
و دليل آخر: إجماع الصحابة على قول: الإيمان: عقدٌ و قولٌ و عملُ.
و هذا التفسير الصحيح لها و لله الحمد أولاً و آخراً.
نسب الأقوال إلى الفرق: القول الأول قول الكرامية
القول الثاني قول الجهمية
القول الثالث قول أصحاب أبي حنيفة
القول الرابع: -أفراد العمل الواجب(بعض الخوارج يكفر بالصغائر والكبائر)
-أفراد العمل الواجب(بعض الخوارج يكفر بالكبائر بل معظمهم)
-جنس العمل هو قول أهل السنة والجماعة.
ما رأيكم؟!
(طريق التصوف إن صحت هي الطريق الرشاد التي كان عليها اسلف) السبكي, طبقات الشافعية
(إذا أراد الله بعبد خيراً أوقعه على طائفة الصوفية يهذبون أخلاقه) ابن القيم, بدائع الفوائد