الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين وآله وصحبه ، وبعد :
أخرج الحديث الترمذي قال : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا عبدالرحمن بن سعد ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن سماك بن حرب ، عن عبدالله بن عميرة ، عن الأحنف بن قيس ، عن العباس بن عبد المطلب ، قال : زعم أنه كان جالسا في البطحاء ، الحديث بطوله .
قال الترمذي : هذا حديث حسن ، غريب .
ثم قال أيضا : وروى الوليد بن أبي ثور عن سماك نحوه ورفعه .
وروى شريك عن سماك بعض هذا الحديث وأوقفه ولم يرفعه .
الجامع : 5/424 ، حديث رقم 3320 .
( 1 ) عبد الله بن عميرة :
1 = وذكره العقيلي الحنبلي في الضعفاء الكبير 2/284 ، وأخرج له هذا الحديث ، وهذا من العقيلي تضعيف لهذا الراوي ولروايته فتنبه .
2 = وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 2/469 ، فقال : عبد الله بن عميرة ، فيه جهالة ، له عن الأحنف بن قيس عن العباس حديث المزن والعنان ، رواه عنه سماك بن حرب ، ورواه عن سماك الوليد بن أبي ثور وجماعة ، ورواه أيضا يحيى بن العلاء ـ وهو واه ـ عن عمه شعيب بن خالد ، عن سماك .
وهكذا فإن الذهبي حكم على هذا الراوي بأنه مجهول .
لا سيما وقد ذكر مسلم في الوحدان بأن سماك تفرد بالرواية عنه .
وقال ابن حجر في التقريب : مقبول ، يعني كما ذكر في ديباجة كتابه أنه مقبول إذا توبع ، فإن لم يتابع فهو لين ، أي : ترد روايته ، إذ ليس معنى تليين الراوي إلا رد روايته ، يوضح ذلك : أن تفرد المجهول بحديث يؤدي إلى الطعن في ضبطه على أقل تقدير ، فإن حديثا ما إذا لم يروه في الدنيا إلا مجهول ، فلا يمكن أن يكون ذلك حديثا ، فلا بد إذا أن يكون الراوي قد أخطأ وغلط في روايته ، ومن هنا تظهر دقة ابن حجر ووجاهة حكمه العام في المجاهيل .
تنبيه
قد ذكره ابن حبان في الثقات : 5/42 .
لكن هذا من ابن حبان ليس توثيقا للراوي ، فتنبه ، بمعنى أن ابن حبان لا يوثق المجاهيل كما اشتهر عنه ، وإنما هو يذكرهم في كتابه الثقات ، وهذا لا يعني أنه يوثقهم مطلقا ، يؤيد ذلك أنه كثيرا ما يذكر راوي في كتابه الثقات ، ثم يقول فيه : لا أعرفه ولا أعرف أباه !! فتأمل ذلك ولا تكن من الذين لا يدرسون مناهج المصنفين في كتبهم ولا يستقرئون تصرفاتهم وصنيعهم في مؤلفاتهم .
نعم ، قد يصحح ابن حبان بعض أحاديث المجاهيل ـ كما عرف عنه ، وهذا صحيح ـ لكن بخمسة شروط وضعها وكررها كثيرا في كتابه الثقات ، لكن العتب على من لا يقرأ ، والملامة على من لا يتعب نفسه بقراءة كتب الإسلام ، وكل الويل إذا لم يكن نخبة المسلمين ممن يقرؤون ويدققون ويحققون ، فمن لهذا الدين بعدهم لينصره ، أنستدعي خبراء أجانب لأجل أن يحققوا لنا مسائل شرعنا !!
على كل حال ، من الطبيعي أن تنضم إلى شروط ابن حبان الخمسة الشروط المعروفة لقبول الحديث ، وهي : وثاقة الرواة ، واتصال السند ، والسلامة من الشذوذ والعلة ، فإذا فقد شرط من هذه الشروط أو من الشروط الخمسة التي وضعها ابن حبان لخبر المجهول لم يكن هذا الحديث صحيحا حتى على طريقة ابن حبان ، فليتنبه .
ولا ينبغي نسبة ابن حبان لتوثيق المجاهيل مطلقا ، كما قال بعضهم في هذا المقام ، إذ قال : وثق ابن حبان عبد الله بن عميرة على عادته في توثيق المجاهيل ، انتهى ، قلت : فقد تبين لك بعد الشرح الأول أن هذا الكلام خطأ ، وابن حبان أدق وأعلى من ذلك .
( 2 ) قال البخاري في عبد الله بن عميرة : لا نعلم له سماعا من الأحنف ( التاريخ الكبير : 5ِ/159 ) .
يريد البخاري بأنه لا يوجد دليل يثبت لنا أن عبدالله بن عميرة سمع من الأحنف بن قيس ، وهذا على طريقة البخاري في وجوب ثبوت اللقاء مرة واحدة على الأقل لأجل ثبوت الاتصال .
( 3 ) وممن تفرد برواية هذا الحديث : سماك بن حرب ، ولم يتابعه أحد في روايته هذا الحديث .
وقد ذكره ابن حبان في الثقات 4/339 ، لكنه مع ذلك قال فيه : يخطئ كثيرا ، وهذا يؤكد للقارئ الكريم ، أن مجرد ذلك ابن حبان في الثقات لا يدل على أنه يوثق الراوي التوثيق المعروف المشهور ، وإنما مراده شيء آخر ، وللدكتور الكريم القريب من القلب والفؤاد السيد الشيخ المقرئ المحدث الفقيه عداب الحمش أمتعنا الله تعالى به في ذلك رسالة ماجستير ، هي درة بين الرسائل ، وهي جوهرة بين الكتب ، وقد أخبرني بأنها سوف تطبع قريبا بإذن الله ، وقد بين في هذا الكتاب كثيرا من مناهج ابن حبان ، وصوب ما اشتهر عنه مما هو بريء منه .
على كل حال ، سماك بن حرب اختلف فيه ، لكن من البين أن فيه ضعفا ، ولذلك يمكن أن نعتمد هاهنا قول النسائي فيه : كان ربما لقن ، فإذا انفرد بأصل لم يكن حجة ، لأنه كان يلقن فيتلقن .
تنبيه
قد روى هذا الحديث عن سماك عدد من الرواة :
1 = منهم : الوليد بن أبي ثور ، كما أخرجه أبو داود 5/93 ، وابن ماجة 1/69 ، وأحمد 1/206 ، والبيهقي 2/142 ، والآجري في الشريعة 292 ، وابن خزيمة ، 1/236-237 ، وابن الجوزي في العلل المتناهية 1/24 ، والبزار في المسند 4/135 ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في العرش ، حديث رقم 9 ، والعقيلي في الضعفاء الكبير 2/284 ، واللالكائي في الاعتقاد حديث رقم 651 ، والمزي في تهذيب الكمال 15/387 ، وابن قدامة في العلو حديث 29
2 = ومنهم : عمرو بن أبي قيس ، كما أخرجه أبو داود 5/94 ، وابن خزيمة 1/234-235 ، وابن أبي عاصم 1/253 ، واللالكائي في الاعتقاد حديث رقم 650 ،
3 = ومنهم : إبراهيم بن طهمان ، كما أخرجه أبو داود 5/94 ، والبيهقي 2/143 ، و 2/158 ، والآجري في الشريعة 292 ، والجوزقاني حديث 72 ، ولا أدري كيف قال : هذا حديث صحيح !
4 = ومنهم : شعيب بن خالد ، كما أخرجه الحاكم 2/412 ، 501 من طريق يحيى بن العلاء عن شعيب بن خالد به ، لكن تعقبه الذهبي في تلخيص المستدرك ، فقال : يحيى واه ، وحديث الوليد بن أبي ثور أجود ، وأخرجه أيضا : أبو يعلى 12/75 ، وأحمد : 1/206 . ابن الجوزي في العلل المتناهية 1/23 ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في العرش ، حديث رقم 10 ، والذهبي في العلو ص 32 ،
5 = ومنهم : شريك ، كما أخرجه أبو يعلى 12/74 ، والحاكم 2/500 ، وابن خزيمة 1/251 ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في العرش .
أقول :
كل هذه الطرق لا تسمن ولا تغني من جوع ، لأن مدار الحديث على سماك بن حرب عن عبدالله بن عميرة عن الأحنف .
هذا ما أحببت تسجيله على عجل ، وليعذرني القارئ الكريم إذا لم أجد من الوقت لكي أكتب ما تقر به عينه حول هذا السند .
والحمد لله رب العالمين .
التعديل الأخير تم بواسطة أسامة نمر عبد القادر ; 20-10-2004 الساعة 21:19
قس على نفسك قياسك على غيرك