الحمد لله رب العالمين،
الأخ الفاضل علي عبد اللطيف، سأتبع أسلوب الاختصار في الإجابة عن هذه الأسئلة تاركا التفصيل لبحث طالب العلم النشيط.
وقد جئت من السفر أمس مساء فرأيت اليوم أسئلتك فأجبت عنها فورا قبل أن أقوم من مقامي لمتابعة الأعمال والواجبات الدنيوية.
1-هل الكلام في زيادة الصفات أصل من أصول الدين عندنا؟
الجواب: الكلام في زيادة الصفات بحد ذاتها ليست من أصول الدين، ولكن قد بنى عليها المخالفون بعض اللوازم التي تناقض أصول الدين عندنا، أو بني هذا الخلاف منهم على أصول غير مسلمة عندنا، فمن هذه الجهة هو من أصول الدين، مثلاً الفلاسفة لما قالوا إن ذات الواجب بسيط كل البساطة، آل قولهم إلى أن الواجب هوالوجود المطلق، وما كان بسيطا فإن فعله لازم عن ذاته، بمعنى : إن ذاته علة لفعله، وأيضا: ما كان بسيطا عندهم فإن فعله واحد، لأنه لا يصدر عن الواحد إلا واحد. وهكذا. وكذلك قد يؤول قول بعض الإسلاميين إلى شيء من ذلك، مع اختلافهم عن المتفلسفة في بعض الأصول، فقول المعتزلة بأن الصفات عين الذات، قد يستلزم نفي الاختيار ولو إلزاماً كما ألزمهم به أهل السنة الأشاعرة والماتريدية، ونفي الاختيار مخالف لأصول الدين بلا ريب، فكل ما آل إليه واستلزمه فهو باطل.
2-هل دليل أهل السنة في زيادة الصفات قطعي أم ظني؟ فإن كان ظنياً هل فيه ضعف فإن كان فما وجه ضعفه؟
الجواب: لو فهمنا معنى الصفة فإن قول أهل السنة مقطوع به وذلك بغض النظر عن تسليم الخصوم بأدلته، فإن الذات ما قام بنفسه، والصفة الوجودية ما قام بالذات لا بنفسه، والقيام هنا التحقق في الوجود. وإذا فهمنا هذا المعنى، علمنا على اليقين ان المراد بالذات ليس عين المراد من الصفات من حيث المفهوم. ولكن المخالفين استصعبوا القول، لأنهم توهموا أن بزيادة الصفات بهذا المعنى على الذات يستلزم التركيب الموجب للاحتياج، وهذا ليس بلازم عند أهل السنة، ولذلك يبالغ المعتزلة والمتفلسفة وبعض الصوفية كابن عربي ومن تبعه في نفي زيادة الصفات على الذات، والأمر أقرب مما يظنون، وإن كان دقيقا في نفسه. ولذلك دافع الإمام الغزالي عن قول أهل السنة في تهافت الفلاسفة، ولم يسلم للمتفلسفة أنه يستلزم التركيب المستلزم للاحتياج والإمكان. كما لم يسلم أهل السنة للمعتزلة بأن قولهم يستلزم تعدد القدماء، ولا لغيرهم. وخلاصة قول أهل السنة أن المفهوم من الذات ليس هو عين المفهوم من الصفات، والصفات إما أن تكون مشتقة من أمور وجودية أو سلبية أو إضافية، والصفات الوجودية كمال للمفهوم من محض الذات، والمخالفون يوهمون عندما يطلقون اسم الإله على مجرد الذات، ثم يزعمون أن إثبات صفات زائدة يستلزم إمكانها وافتقارها في الوجود، على حين أن استلزام الزيادة للإمكان غير متحقق، بل هو في حيز الوهم، وكون الصفة زائدة على مفهوم الذات لا يستلزم إفتقار الصفة في وجودها إلى الذات لكي تصبح ممكنة، ويكون الإله مركبا من أشياء متغايرة، أو لكي يلزم تعدد القدماء كما توهم المعتزلة، فمن المعلوم أن الزيادة في المفهوم لا تستلزم الزيادة في الوجود الخارجي، بمعنى تعدد الوجود في نفس الخارج، الأمر الذي يستلزم التركيب المنافي للوجوب. فقد يكون هناك زيادة في المفهوم، وقد تكون الذات في المفهوم غير بسيطة، ولكنها في الوجود الخارجي غير مركبة من أشياء متغايرة ، فضلا عن أن تكون ممكنة.
3-هل القول بعدم الزيادة وأن الخلاف بين العالم والقادر بالاعتبار دون باقي فروع المعتزلة يخالف أهل السنة؟
الجواب: كما قلنا، قد يخالف بعض الناس في زيادة الصفات،ولكنهم لا يلتزمون نفي الإرادة وغيرها من الصفات الواجبة للإله كما فعل الفلاسفة، وإن زعموا أنهم يثبتون الاختيار لله تعالى، ولكن قد علم أن الاختيار الذي يثبتونه مجرد لفظ بلا فمعنى. والمعتزلة وإن ألزمهم أهل السنة بنفي كون الله تعالى فاعلا مختارا لكنهم لم يسلموا لهم بذلك، ولم يقل المعتمد من مذهبهم بنفي كون الله تعالى مختارا. وإن ألزمهم أهل السنة بذلك بناء على قواعد معينة. فالقدر الضروري من الدين الذي يطفر من خالفه هو نفي كون الله تعالى مختارا، لا إثبات زيادة الصفات على الذات، وإن كانت الزيادة ثابتة، ولكن ليس كل ثابت يكفر من أنكره كما هو معلوم في باب التكفير في الفقه.
والخلاف بين العالم والقادر لا يمكن أن يكون بمجرد الاعتبار، كما قد يزعمه بعضهم، والمعتزلة وإن قالوا بنفي الصفات إلا أنهم لم يقولوا إن الخلاف بين العالم والقادر بالاعتبار. فمنى إثباتهم له تعالى صفات أن يثبتوا له أمرا مضافاً إلى ذاته داخلا في ضمن تلك الصفة له، ثم قد ترجع تلك الصفة إلى معنى أو حال أو حكم. والقادر عندهم هو المؤثر على جهى الصحة، بمعنى أن تأثيره لا يستحيل أن لا يوجد، حفاظا على الاختيار، وقد صرحوا بخلافهم للفلاسفة في قولهم بأن الله تعالى فاعل موجب، وكما قال الخوارزمي في الفائق في أصول الدين ص34:"وأما أصحابنا فقالوا: إن القادر هو المختص بحالة لكونه عليها يصح أن يفعل وأن لا يفعل على بعض الوجوه، وكذا قالوا في كونه تعالى عالما وحيا وموجوداً". والعالم عندهم هو المتبين للشي، وليس هذا بحدٍّ لأن الصحيح -كما قال الخوارزمي في كتابه المذكور- أنَّ العلم لا يحدُّ. فالفرق بين العلم والقدرة عندهم ليس أمرا اعتباريا، لأن المفهوم من اعتبارية الفرق الاتحاد في نفس الأمر، ولكن قد تبين أن الحالة المسماة بالقدرة عندهم ليست نفس الحالة المسماة بالعلم عندهم في نفس الأمر.
فقول من قال إذن إن الفرق بين العالم والقادر هو بالاعتبار فقد، مخالف للمعتزلة ولأهل السنة معاً.
4-هل صحيح أن قضية مأخذ الاشتقاق في مسألة زيادة الصفات لا تنتج الزيادة وهل مأخذ الاشتقاق لا يثبت ذلك في الشاهد فضلاً عن الغائب؟
الجواب: الصحيح أن الاشتقاق يستلزم ثبوت مأخذ للاشتقاق، ثم قد يكون هذا المأخذ أمرا وجوديا أو إضافيا أو سلبيا، فالأصل أن ننظر للمشتق هل هو دال على أمر وجودي، فإن دل على ذلك فيلزم أن يكون هذا الأمر الوجودي قائما بالموصوف بهذا المشتق، وإلا لم يلزم، كالأفعال، فإن أفعال الله تعالى ليست قائمة –وهي حادثة- بعين ذات الله تعالى، وكذلك السلب، فلا معنى لقيام السلب بالذات، بل المراد صدق السلب على الذات، والصدق ليس مساويا للقيام.
ولذلك فإن الاستدلال بقاعدة الاشتقاق مع نسبة المشتق للذات على سبيل الاتصاف صحيح ، مع ملاحظة ما ذكرناه من التفصيل في أمر المشتق هل هو وجودي أم لا.
5-ما الدليل على وجود صفة زائدة في الشاهد؟
الجواب: علم الإنسان حادث بلا ريب، وعلمك بما ذكرناه الآن من بعض المعاني أمر حادث قائم بذاتك، وطمأنينتك في صلاتك التهجد أو غيرها منا لصلوات أمر زائد على نفسك لم يكن لها، ثم كان، وهو صفة لك أيضا، وكذلك أحوالك العارضة عليك من الغضب والحلم والشفقة ونحوها أمور قائمة بذلك، وهي صفات لك، وكلها زائدة على ذاتك، فإنها لم تكن ثم كانت، وقد تنعدم بعد كونها. وهذا هو المقصود بالزيادة مع التغاير، ولكن قد يثبت الزيادة بلا تغاير إذا استحال الانفكاك، وإذا استحال وجود الذات بغير هذه الصفة، واستحال وجود الصفة لغير هذه الذات، فلا يقال عندئذ بالتغاير.
6-هل العرب تعرف الصفة الزائدة؟ هل يصح زعم من قال العرب لا تعرف من الصفات سوى الفعل والانفعال؟
الجواب: عرف الجواب عن ذلك مما تقدم، ولا يلزم لإثبات مفهوم أن يكون منصوصا عليه عند العرب، لأن بحثنا في ذلك عقليٌّ وليس نقليا فقط، ولكنا نقطع أن بعض عقلاءهم وعلماءهم لا بدَّ أن يثبتوا ذلك، وذلك لا من حيث كونهم عربا، بل من حيث كونهم عقلء، فبعض العرب قد يثبتون الزيادة وبعضهم لا ، ولا يضر ذلك في عربيتهم ولا في تلك الزيادة في نفس الأمر، لأن القول بالزيادة موقوف على النظر والبحث على على النقل من العرب.
ولا وجه لقول من حصر الصفات عند العرب بما ذكرتَ، فهو مغالط أو مجازف.
7-ما هو أقوى دليل على زيادة الصفات عندنا؟
الجواب: دليل زيادة مفهوم الذات على مفهوم لاصفات، المعلوم بالتحليل العقلي، ودليل الاشتقاد الاشتقاق ثم تحليل المشتق، وغير ذلك من الأدلة المعروفة في الكتب، كلها دالة على المطلوب.
8-هل القول بأن الصفات السبعة وجودية عين القول بأن الصفات زائدة؟
الجواب: نعم.
9-هل لفظ (الذات) بهذا المعنى تعرفه العرب وإن كان مصطلحاً كلامياً فما هو الأصل اللغوي المندرج فيه هذا المصطلح أم هو من المنقول؟
الجواب: نعم تعرفه العرب (كقول الشاعر) : "وذلك في ذات الإله"، ولو بحثت لوجدت غيره مما يدل على ذلك. وعلى كل حال فإن لم يعرفوه، فإن القول بالزيادة غير متوقف على نقل من العرب، فإن البحث فيها عقليٌّ لا نقليٌ ، ولا قوميٌّ مختص بالعرب، كما قد يتوهم. وبعض العلماء يقولون إن كلمة الذات تطلق في أصل اللغة لإاردة التوكيد، ثم حصل فيها نقل تجد تفصيله في كتب اللغة.
والذات هي ما يصلح لأن يعلم ويخبر عنه. وقيل ذات الشيء نفسه وعينه. وعليه جاء في قول المولدين جاء فلان ذاته، والذات أعمُّ من الشخص لأنه لا يطلق إلا على الجسم، وهي تطلق عليه وعلى غيره. وقيل الذات منقولة عن مؤنث ذو بمعنى صاحب، ولمكان النقل أجروها مجرى الأسماء المستقلة فقالوا ذات قديمة وذات محدثة، وقيل التاء فيها كالتاء في الموت والوقت فلا معنى لتوهم التأنيث فيها. وقد تطلق الذات ويراد بها ما قام بذاته، وقد تطلق ويراد بها المستقل بالمفهومية ويقابلها الصفة بمعنى غير المستقل بالمفهومية. واسم الذات في النحو ما علق على ذات كرجل وأسد، ويقابله اسم المعنى كالعلم والشجاعة. ويجمعها الوصف كالعالم والشجاع فإنه يدل على الذات والمعنى. وقريب من هذا المعنى الذاتي عند المناطقة نسبة إلى الذات يطلق على ما يخص كل شيء ويميزه عما عداه، وعلى معان أخر. فأرجو البحث عن ذلك كله في كتب اللغة كالقواميس ونحوها للتفصيل.
10-من أقدم من قال بزيادة الصفات بهذا اللفظ؟
الجواب: إذا كان سؤالك عن أقدم من صرح بذلك في نفس الأمر فلا أعلمه، ولكن المعنى ثابت بأنحاء أخرى غير التصريح كما قلنا. وإن علمناه قدم من صرَّح أعلمناك به. ويكفي في الدلالة على ثبوت المعنى ما ورد عن الإمام أبي حنيفة كما سيأتي في جواب السؤال الحادي عشر.
11-هل مصطلح الإمام أبي حنيفة في الفقه الأكبر عند تقسيمه الصفات إلى ذاتية وفعلية هو عين مصطلح المتكلمين عند قولهم صفات ذاتية؟
الجواب: قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله في الوصية بعد ذكر الصفات:"لا هو ولا غيره" وشرحه البياضي فقال ص118 :أي ليس الصفة عين الذات في المفهوم ولا غيره أي لا ينفك عنه في الخارج، وهذا نص من الإمام أبي حنيفة على زيادة الصفات، كما ترى، وأما الصفات الذاتية فالمراد بها المنسوبة إلى ذات الصانع المتعال، إما بالاتصاف بها من غير قيام معنى به كالصفات السلبية مثل كونه واحدا، وكالإضافيات مثل كونه الأول والآخر، أو بالاتصاف بها لقيام معنى به من الصفات الثبوتية كالعلم والقدرة، وما يرجع إلى الصفات الذاتية مما يتصف به ذات الصانع من الصفات المتشابهات التي تعتقد مع التنزيه عن إرادة ما يوهم ظواهرها من الكيفيات كاليد والوجه والنفس والعين، هذا هو حاصل ما ذكره البياضي في إشارات المرام ص107، وإن كان ظاهر كلام الإمام في الفقه الأكبر الاقتصار على إرادة الصفات الوجودية من مصطلح الذاتية فقد قال:"لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته الذاتية والفعلية أما الذاتية فالحياة والقدرة والعلم والكلام والسمع والبصر والإرادة، وأما الفعلية فالتخليق والترزيق والإنشاء والإبداع والصنع وغير ذلك من صفات الفعل" اهـ، وعلى هذا الظاهر فإن المراد بالصفات الذاتية عين المراد بالصفات الزائدة.
12-لو أردنا أن نصيغ عقيدة لعامي في مسألة الصفات تعبر عن مذهب أهل السنة والجماعة كيف تكون؟
الجواب: لا يُطلب من العامي أن يعلم ذلك ولا أن تكلم فيه، ولكن يمكن أن تفهمه ذلك المعنى -عند الاحتياج- بأن تقول له إن الذات يطلق على ما قام بنفسه، والصفة معنى منسوب إليه على النحو السابق كما وضحناه، مع ضرب بعض الأمثلة فلا تحسب أن ما ذكرناه يعسر على فهم العامة إذا أحسنا بيانه. فلا أحد يعسرعليه التمييز بين الصفة والذات، وإن كان هناك من يتوهم إشكالها على العظيم في نفسه فما ذلك إلا للتشكيكات الكثيرة التي يسمعها من المشككين. فهل يعسر على العامي أن يفهم إن علمه زائد على ذاته، وأن غضبه زائد على ذاته، مع حدوثه وتغيره، لا أظنُّ أن أحدا يعسر عليه ذلك، ولكن الشيه تحوم في ذهنه مما يسمعه من المعارضين.
وأرجو أن يكون الجواب عن ذلك فيه مقنع وإن كان مختصراً. والله الموفق.
وليس لنا إلى غير الله تعالى حاجة ولا مذهب