الجوهرة الخامسة والاربعون
{ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً }
قال السمين الحلبى فى الدر المصون:
قوله: { وَلاَ يَكْتُمُونَ } فيه ستةُ أوجهٍ،
وذلك أنَّ هذه الواوَ تحتمل أن تكونَ للعطفِ وأن تكون للحالِ:
فِإنْ كانت للعطفِ احتمل أن يكون من عطف المفردات، وأن يكونَ من عطف الجمل، إذا تقرر هذا فيجوز أن [يكون] { وَلاَ يَكْتُمُونَ } عطفاً على مفعول " يود " أي: يَوَدُّون تسويةَ الأرض بهم وانتفاءَ كتمان الحديث، و " لو " على هذا مصدريةٌ، ويَبْعُدُ جَعْلُها حرفاً لِما كان سيقع لوقوعِ غيرِه، ويكونُ " ولا يكتمون " عطفاً على مفعول " يَوَدُّ " المحذوفِ. فهذان وجهان على تقدير كونِه من عطفِ المفردات.
ويجوزُ أَنْ يكونَ عطفاً على جملة " يَوَدُّ " ، أَخْبَرَ تعالى عنهم بخبرين أحدُهما: الوَدادة لكذا، والثاني: أنهم لا يَقْدِرُون على الكتم في مواطنَ دونَ مواطنَ، و " لو " على هذا مصدريةٌ، ويجوزُ أن تكونَ " لو " حرفاً لِما كان سيقع لوقوعِ غيره، وجوابُها محذوفٌ، ومفعولُ " يود " أيضاً محذوفٌ، ويكون " ولا يكتمون " عطفاً على " لو " وما في حَيِّزها، ويكونُ تعالى قد أخْبَرَ عنهم بثلاثِ جمل: الوَدادةِ وجملةِ الشرط بـ " لو " وانتفاءِ الكتمان، فهذان أيضاً وجهان على تقدير كونه من عطف الجمل.
وإنْ كانَتْ للحالِ جاز أن تكونَ حالاً من الضمير في " بهم " ، والعامل فيها " تُسَوَّى " ، ويجوزُ في " لو " حينئذٍ أَنْ تكونَ مصدريةً وأن تكون امتناعيةً، والتقديرُ: يَوَدُّون تسويةَ الأرضِ بهم غيرَ كاتمين، أو: لو تُسَوَّى بهم غيرَ كاتمين لكان بغيتَهم، ويجوز أن تكون حالاً من { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، والعاملُ فيها " يود " ، ويكونُ الحال قيداً في الوَدادةِ، و " لو " على هذا مصدريةٌ في محلِّ مفعولِ الودادة، والمعنى: يومئذ يود الذين كفروا تسوية الأرض بهم غير كاتمين الله حديثاً، ويبعد أن تكون " لو " على هذا الوجه امتناعيةً للزوم الفصل بين الحال وعاملها بالجملة. و " يكتمون " يتعدى لاثنين، والظاهر أنه يصل إلى أحدهما بالحرف، والأصل: ولا يكتمون من الله حديثاً.
وقال الرازى فى تفسيره:
المسألة الرابعة: قوله: { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } فيه لأهل التأويل طريقان
: الأول: أن هذا متصل بما قبله. والثاني: أنه كلام مبتدأ،
فاذا جعلناه متصلا احتمل وجهين
: أحدهما: ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما: يودون لو تنطبق عليهم الأرض ولم يكونوا كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم ولا كفروا به ولا نافقوا، وعلى هذا القول: الكتمان عائد إلى ما كتموا من أمر محمد صلى الله عليه وسلم،
الثاني: أن المشركين لما رأوا يوم القيامة أن الله تعالى يغفر لأهل الاسلام ولا يغفر شركا، قالوا: تعالوا فلنجحد فيقولون: والله ربنا ما كنا مشركين، رجاء أن يغفر الله لهم، فحينئذ يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يعملون، فهنالك يودون أنهم كانوا ترابا ولم يكتموا الله حديثا.
الطريق الثاني في التأويل: أن هذا الكلام مستأنف، فان ما عملوه ظاهر عند الله، فكيف يقدرون على كتمانه؟