محمد ال عمر التمر

ما رأيكم في كتاب الفقه علي المذاهب الأربعة للجزيري؟

تقييم هذا المقال
اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد ال عمر التمر مشاهدة المشاركة
تقويم عام للكتاب :

اول ما نسجله في تقويم الكتاب أنه كتاب لم يوضع إلا بقصد تيسير الأحكام الفقهية لجمهور المسلمين من غير المتخصصين ومن ثم خلا عن الأدلة التفصيلية وتوجيه الاستدلال بها والموازنة بينها، كما خلا عن مراجع الدراسة فيه ومن ثم فهو يكاد يكون معدوم النفع بالنسبة للمتخصصين ومن يبحثون عن أدلة الأحكام وتأصيل الاختلاف فيها، ولعلنا نظلمه أذا قارنا بينه وبين الكتب التي عنيت بإيراد الأدلة والترجيح والموازنة وتأصيل الاختلاف مثل المحلي و بداية المجتهد والمغني وغيرها فهو لم يوضع بهذا القصد ولم يزعم صاحبه فيه شيئا من ذلك، ومن هنا ينبغي أن يدور نقدنا له في إطار الدائرة الضيقة والقليلة الجدوى في دراسات التخصص التي ألف من أجلها وهي جمع تفصيلات المذاهب الأربعة للعوام ومن هم في حكمهم إزاء العلم الشرعي مهما بلغت ثقافاتهم الأخرى.
وأيضا فلقد ارتبط تأليف هذا الكتاب بمن ألف لهم فيما يتصل باقتصاره على أقوال المذاهب الأربعة السنية المتبوعة في مصر وفي غيرها من بلدان العالم الإسلامي، أما لو كان قد انطلق من منطلق تأصيل الخلاف الفقهي في اطلاقه لما التزم بذكر هذه المذاهب وحدها، فإن في خلاف غيرها ما هو معتبر عند الباحثين والدارسين.

وبعد أن حددنا إطار التأليف الضيق في هذا الكتاب والتزمنا بأن يدور تقويمنا داخله نوجز هذا التقويم في الأمور التالية:

أ‌- من الأمور الجيدة في الكتاب بحق تقريره بعض حكم التشريع بصورة صدر عن العليم الحكيم الذي يعلم من خلق وما يُصلحهم وفي إطار العرض العقلي، وذلك في مسائل الشريعة وقضاياها التي تعرضت لغزو فكري في العبادات والأحوال الشخصية والمعاملات والحدود، فقد كان الجزيري ينبري بحق لبيان أن التشريع الإسلامي في هذه الأمور إنما صدر عن العليم الحكيم الذي يعلم من خلق وما يصلحهم على خلاف يرجف به الكائدون من زيف ومغالطات وتلبيس وتجهيل.
ولقد كان الجزيري في ذلك ابن عصره الذي لا ينعزل عن متطلبات زمانه ودواعيه، إنما يتصدى كما ينبغي للعلماء الفاقهين لمسؤلياتهم كيد المبشرين والمستشرقين وأشياعهم ناقضا تلبيسهم وزيفهم.

ويتصل بذلك ما عقده من مقارنات بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي يبين فيها مدى ما في هذا القانون من ضعف وتهافت ومخالفة للفطرة السليمة، في مواجهة أحكام الشريعة المحكمة التي لا يصلح أمر الناس بحق إلا عليها.

ب ـ ومن الأمور الجيدة أيضا في كتابه تعرضه لبيان حكم الشريعة في الأمور العصرية المستحدثة التي عمت بها البلوى في العصور الإسلامية الأخيرة، ولم تكن موجودة من قبل على الأقل بأسمائها المعاصرة، وذلك مثل تعرضه لبيان حكم البيرة والمخدرات.
وأيضا فقد عرض لزكاة الأوراق المالية وحكم التصوير الشمسي وغيرهما.

ج ـ ومن الأمور الجيدة أيضا تقريره بعض القواعد الشرعية العامة وبعض المباحث الأصولية المتصلة بما يرويه من أحكام فقهية، وذلك شأنه أن يزيد في ثقافة جمهور المسلمين الدينية فيما تنبني عليه الأحكام من قواعد وأصول، كي يتعقلوا شريعتهم بقدر الاستطاعة، وقد يدفع هذا بعضهم إلى الاستزادة من هذه المعارف الدينية باللجوء إلى بعض الكتب الميسرة فيها والاستفسار من ذوي العلم حولها، وذلك كله أ/ر نافع ولا شك لجمهور المسلمين في دينهم ودنياهم.
د ـ أيضا فإن الجزيري بذل في مجموع كتابه جهدا كبيرا متتابعا في استخلاص الراجح من الأقوال في كل مذهب من المذاهب الأربعة فيما عرض له من مسائل وقضايا، وكان موفقا في صياغة حصيلة ذلك. وهذا في الأغلب الأعم من صفحات كتابه.
هـ ـ لكننا نأخذ عليه اخلاء كتابه بصورة مطلقة من المراجع القريبة المنال وجودا وفهما لمن يقصدها من جمهرة المثقفين المسلمين غير المتخصصين في علوم الشريعة.
كما نأخذ عليه اخلاءه من بعض أدلة المذاهب التي لا يستعصي إدراكها على هذه الجمهرة المثقفة.
صحيح أنه اعتذر عن ذلك بأن في مناقشة الأدلة دقة لا تتناسب مع ما أراده من تيسير للجمهور، لكنه يرد عليه أن أدلة المذاهب في الخلافيات منها ما هو دقيق يتعذر فهمه على غير المتخصصين وهذا ما نعذره في عدم ذكره ومنها ما هو قريب المنال ميسر في الفهم لجمهور المثقفين وهذا ما كنا نود أن يتوسع في إيراده شيئا ما، ليجتذب هذا الجمهور إلى الاستزادة من نوع من المعارف الدينية الميسرة يدخل تحت مستوى ادراكهم، ولينقذهم من ظلمة التلقين المطلق الذي لا نور معه من أي دليل. وصحيح أن العامي لا يمكنه النظر في الدليل، لكن ذلك لا يمنع من أن كل معرفة مقترنة بدليلها أفضل ولو نسبيا من تلقين يخلو من كل معرفة عامة أو خاصة بما قاد إليها من دليل ولا شك أن العلم العام بالدليل الذي لا يقترن بنظر خاص أفضل في مجموعه من انعدام العلم بالدليل بالكلية.
وهذا وإن كان سيزيد من حجم الكتاب شيئا ما لكنها فيما نرى كانت ستصبح زيادة مقترنة بنفع يبررها.
وإذا كان الجزيري قد عرض في بعض صفات كتابه كما سبق لبعض القواعد الشرعية العامة وبعض المباحث الأصولية فإننا نقول إن من بين الأدلة التفصيلية للمذاهب ما هو أيسر في الفهم من بعض هذه المباحث التي عرض لها.

و ـ كما أنه قصر أحيانا فيما كان ينبغي عليه فيما نرى من وجوب التعقيب على أقوال المذاهب الأربعة في بعض مسائل أحكام الأسرة بما أخذ به القانون المصري من اختيارات الفقهاء وأقوالهم في غير المذاهب الأربعة.
فلقد أخذ المرسوم بقانون قم 25 لسة 1929 م بأقوال بعض الفقهاء من غير المذاهب الأربعة بناء على قوة الدليل وتحقيق المصالح من حيث ظهورهما للّجنة التي قامت به وكان ضمن ما أخذ به أيض النص أنه لا تسمع عند الأنكار دعوى النسب لولد زوجة أتت به بعد سنة من غيبة الزوج عنها ولا لولد المطلّقة والمتوفى عنها زوجها إذا أتت به لأكثر من سنة من وقت الطلاق أو الوفاة. وجاء في تفسير اختيار ذلك أنه لما كان رأي الفقهاء في ثبوت النسب مبنيا على رأيهم في أقصى مدة الحمل ولم يبن أغلبهم رأيه ذلك إلا على أخبار بعض النساء بأن الحمل مكث كذا سنين، والبعض الآخر عن أبي حنيفة بنى رأيه في ذلك على أثر ورد عن السيدة عائشة يتضمن أن أقصى مدة الحمل سنتان.
وليس في أقصى مدة الحمل كتاب ولا سنة، فلم ير أولياء الأمور مانعا من أخذ رأي الأطباء في المدة التي يمكثها الحمل فأفاد الطبيب الشرعي بأنه يرى أنه عند التشريع يعتبر أقصى مده الحمل 365 يوما حتى يشمل جميع الأحوال النادرة (يعنى التي يزيد الحمل فيها عن تسعة أشهر وهي المدة المعتادة)
والذي نأخذه على الجزيري في كتابه أنه عندما عرض لأقوال المذاهب الأربعة في أقصى مدة الحمل لم يشر إلى هذا المرسوم وما ورد فيه عند ذلك ولم يعلق عليه أو ينبه إليه مع أن صدور كتابه في وقت لاحق لصدور المرسوم الذي أصبح عليه العمل في مصر من وقت صدوره، فإن كان الجزيري يقر العمل به فقد كان واجبا عليه أن ينبه إليه قرّاءه بصورة واضحة مبينا سبب مخالفته لما حكاه من أقوال المذاهب الأربعة. وإن كان الجزيري لم يقر العمل بهذا المرسوم ورأى أن الإلتزام بأقوال المذاهب الأربعة أصح فقد كان يجب عليه أن يقرر هذا مبينا الاعتبارات التي تدعوه إليه.
فالذي نأخذه على الجزيري في ذلك أنه لم يواكب في ذلك بعض تطورات عصره بالرأي الفقهي الأصيل كما فعل في أمور أخرى استُحدِثت في عصره وقدم فيها الرأي الفقهي المستقل، وإن خالف ما كان عليه العمل وقتها بمصر.
أما التزامه بحرفيه حكاية أقوال المذاهب الأربعة دون اعتبار منه لما أخذ به المرسوم ودون توضيح فقهي لجمهور المسلمين في القضية ـ فهذا ما نأخذه عليه ونرى أنه كان من واجبه ألا يغفل التعليق عليه وفاءا بواجب العلماء في شرح هذه القضية الفقهية (التي تمس حياة الناس مسا مباشرا) لجمهور المسلمين وعامتهم.
هذا مع أننا نجده يشير في ثنايا كتابه وفي أمور الحمل والنسب أيضا إلى الإفادة من العلوم التجريبية فيما يتصل بتحليل الدم واللجوء إلى الطبيبات المتعلمات في بعض قضايا الاستيثاق من الحمل.

ز – في بعض الفروع الفقهية لم يكن منصفا لصاحب هذا المذهب فقد كان يغفل من أقواله ما كان ينبغي عليه أن يذكره التزاما بقاعدته التي سبق تقريرها في منهجه من أنه يروي المرجوح من الأقوال إن كان في ذكرها فائدة.
وكمثال على ما نقصده فإنه ذكر أنه إن حال غيم دون رؤية هلال رمضان فلنكمل شعبان ثلاثين يوما ويقول " وبهذا أخذ ثلاثة من الأئمة (يقصد أبا حنيفة ومالكا والشافعي) وخالف الحنابلة حال الغيم" ثم يروي مذهب الحنابلة على النحو التالي : " إذا غم الهلال في غروب اليوم التاسع والعشرين من شعبان فلا يجب إكمال شعبان ثلاثين يوما، ويجب عليه تثبيت النية وصوم اليوم التالي لتلك الليلة سواء كان في الواقع من شعبان أو رمضان وينويه عن رمضان"
فإذا ما أتينا إلى كتب مذهب الحنابلة الموسّعة وجدنا أن الرواية عن الإمام أحمد اختلفت في هذه المسألة فروي عنه ما ذكره الجزيري من وجوب الصوم إن حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر، وروي عنه إن الناس تبع للإمام فإن صام صاموا وإن أفطر أفطروا، وعن أحمد رواية ثالثة: أنه لا يجب صومه ولا يجزئه عن رمضان إن صامه" وهو قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي ومن تبعهم " (نقلا عن المغني )
ومن ثم نرى أنه كان من الانصاف في حق الإمام أحمد أن يروي قوله الموافق لقول الإئمة الثلاثة ونرى أنه كان في هذا فائدة عظيمة تبرر روايته على حسب قاعدة الجزيري السابقة، فالرواية الموافقة لقول أكثر أهل العلم جديرة ولا شك بروايتها لأن رأي الفقيه في الإتفاق يستحق أن يروى كما روي رأيه في الخلاف، وبخاصة في هذه القضية ذات القيمة العلمية المتكررة في حياة المسلمين. فكان ينبغي على الجزيري أن يبين أن لأحمد قولا يوافق قول الثلاثة.
وهذا مع تسليمنا بأن الرواية الموافقة مرجوحة وغير مشهورة وربما كان في ذلك شيء من مقال واحتمال نظر، صحيح أن هذا ما رواه الخرقي أبو القاسم عمر بن حسين ( ت 334 هـ) عن احمد، وهو أيضا اختيار أكثر شيوخ الحنابلة كما يروي ابن قدامة لكن لعلنا لو استطعنا الوصول إلى تواريخ قوله بكل رواية فربما انتهينا إلى أن الرواية الموافقة لقول الإئمة الثلاثة لم تكن أضعف ما روي عن أحمد في القضية. ومهما يكن من أمر فقد كان على الجزيري أن يشير إليها.
أما ما أخذه الشيخ علي حسن العريض (الذي راجع الجزء الخامس) على الجزيري من إدخاله كتاب القصاص والديات بين أبواب الحدود على خلاف ما فعله الفقهاء الذين سبقوه في التأليف من خلاف ذلك، فلعله يرجع إلى أن الجزيري قبيل وفاته كان يأمل في أن يكتب كافة أبواب الفقه التي كانت بقيت له بعد أخراجه الجزء الرابع كما ورد في مقدمة هذا الجزء، لكنه توفي ولم يكن قد انتهى إلا من كتاب الحدود ومباحث القصاص والديات حيث وجدت مباحثها في كراسات في بيته بعد وفاته كما سبق فلعله لو عاش لالتزم بترتيب الفقهاء قبله، أو لعله كان يصدر عن وجهة نظر أخرى في التأليف الفقهي وترتيبه لم يتح له أن يعبّر عنها.
ومهما يكن من أمر فإن قضية ترتيب الأبواب شكل لا يمس جوهر الموضوعات المؤلفة ولا منهج التأليف الموضوعي فيها.
أما ما لم يتح له أن يكتب فيه لوفاته مثل الوقف والقضاء والجهاد وغيرها فهو معذور في ذلك بلا شك.
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
غير مصنف

التعليقات