خالد حمد علي
14-10-2007, 14:14
هذه محاولة مني لتلخيص وترتيب كلام الأصوليين في هذا المبحث
تقسيم اللفظ باعتبار {ظهور المعنى وخفائه}
ينقسمُ اللفظ باعتبار ظهوره وخفائه إلى قسمين :
الأول : ظاهرُ الدلالة على المعنى ، وهو أربعة أضرب :
1-الظاهر .
2-النص .
3-المفسر .
4-المحكم .
الثاني : خفي الدلالة على المعنى ، وهو كذلك أربعة أضرب :
1-الخفي .
2-المشكل.
3-المجمل.
4-المشكل .
الظاهر
تعريفُهُ : هو اللفظ يدل على معناه بنفس صيغته من غير توقف على أمرٍ خارجي ، ولم يكن مسوقاً بالأصل لإفادة هذا المعنى ، واحتمل التأويل إن كان خاصاً ، أو التخصيص إن كان عاماً .
فهنا نجد أنَّ التعريفَ قد حوى عدَّة قيود :
الأوَّل : أنَّ اللفظَ يدلُّ على معناه بنفس الصيغة ، أي أنّ الدلالة لا تتوقف على أمر خارجي .
الثاني : أن لا يكون مسوقاً بالأصل لإفادة المعنى الظاهر .
الثالث : أن يحتملَ التأويلَ إن كان خاصاً ، أو التخصيص إن كان عاماً .
مثالُهُ : قولُهُ تعالى :{ وأحلَّ اللهُ البيْعَ وحرَّمَ الرِّبا } .
تطبيق التعريف على المثال :
نجد أولاً _بحسب القيد الأول_ أنَّ اللفظ في الآية دلَّ بنفس صيغتِهِ على إحلال البيع وتحريم الرّبا .
ونجد ثانياً _بحسب القيد الثاني _ أنّ هذا المعنى الظاهر لم تسق الآية في الأصل لأجلِهِ ، وإنما سيق في الأصل للرد على مَنْ يُماثلُ بين البيع والربا .
ونجد ثالثاً _بحسب القيد الثالث_ أنَّ هذا النص يحتمل التخصيص ، لأنّهُ ثمّة بيوعاً ليست بجائزة .
النص
تعريفُهُ : هو النص الذي يدل على معناه بنفس صيغتِهِ ، وكان مسوقاً بالأصل لإفادة هذا المعنى ، ويحتملُ التخصيصَ والتأويل .
قيود التعريف :
أولاً : أن يدلَّ على معناه بنفس صيغته ، ليشترك في هذا القيد مع الظاهر .
ثانياً : أن يكونَ مسوقاً بالأصل لإفادة المعنى ، وهذا ما يفترق به عن الظاهر .
ثالثاً : أن يكون محتملاً للتأويل والتخصيص ، وهذا ما يشترك فيه مع الظاهر .
مثالُهُ : قولُهُ تعالى :{وأحل الله البيع وحرّم الربا} .
تطبيق القيود على المثال :
فبحسب القيد الأوَّل نرى أنّ لفظ الآية دلَّ بصيغتها على التفريق بين البيع والربا وقد سيق اللفظ بالأصل لهذا المعنى فكان نصاً فيه .
وبحسب القيد الثاني نرى أنَّ اللفظ أصلاً سيق للتفريق بين البيع والربا ، لأنه إجابة عن شبهةِ قولهم :{ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} .
وبحسب القيد الثالث نجده كذلك يحتمل التأويل والتخصيص لكونه عاماً .
تنبيه : قد يجتمع المعنى الظاهر والنص في لفظٍ واحد كما وقعَ ذلك في قولِهِ تعالى :
{ وأحلَّ اللهُ البيْعَ وحرَّم الربا} .
المفسر
تعريفُهُ : هو اللفظ الذي يدل على معناه المسوق لإفادتِهِ دون أن يحتمل لا تأويلاً أو تخصيصاً لكنه يحتمل النسخ زمن الرِّسالة .
القيود :
1-أنَّ اللفظ يدل على معناه المسوق لإفادتِهِ .
2-أنْ لا يحتمل تأويلاً ولا تخصيصاً ، فبهذا يفترق عن الظاهر والنص .
3-احتماليّة النسخ .
مثاله : قولُهُ تعالى :{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} .
تطبيق القيود على المثال :
بحسب القيد الأول نجد أنَّ اللفظَ يَدلُّ عَلَى معنَاهُ المسوق لإفادة معناه ، وهو أنَّ الزانية والزاني يُجلد مئة جلدة ، فهو لفظ مفسر .
بحسب القيد الثاني نجد أنَّهُ لا يحتمل تأويلاً ولا تخصيصاً لأنّهُ ليس عامَّاً .
وبحسب القيد الثالث نجد أنَّ اللفظ يحتملُ النَّسخ ، لأنَّهُ حكمٌ من الأحكام ، وبذلك يَفترقُ عن الظاهر والنّص .
تنبيه : يُعدُّ مِنَ المُفسَّر كل لفظٍ جاء مُجملاً ثمّ بينه كألفاظِ الصَّلاةِ والحجِّ جاءت مجملةً في القرآن ثمّ فسّرتها السنَّة .
المحكم
تعريفُهُ : هو اللفظُ الذي دلَّ على معناه المَسُوق له بصيغتِهِ ، ولا يحتمل التأويل ولا يحتمل التخصيص ولا النسخ في زمن الرِّسالة ولا بعدها .
قيودُ التعريْف :
1-أن يدلَّ على معناه المسوق له بصيغته .
2-أن لا يحتمل تأويلاً ولا تخصيصاً ،وبهذا يختلف عن الظاهر والنص، ويتفق مع المفسر .
3-أنهُ لا يحتمل نسخاً لا في عهد التشريع ولا بعده من باب أولى ، وبهذا القيد يتباين المُحكم عن النص والظاهر والمفسر .
مثالُهُ : قولُهُ تعالى : { قل هو الله أحد} .
تطبيق القيود :
بحسب القيد الأوَّل نجدُ أنّ اللفظ يدل على معناه بنفس صيغته ، وبحسب القيد الثاني نجد أنَّهُ لا يحتمل تأويلاً ولا تخصيصاً لأنه ليس عاماً ، وبحسب القيد الثالث نجد أنّ الآية لا تحتمل النسخ لإمتناع نفي الأحدية عقلاً وشرْعاً .
ومن المُحكم : أخبارُ الغيبِ ، وآيات الصدق والأمانة والفضائل .
فائدة التقسيم
تظهرُ فائدة هذا التقسيم عند حدوث التعارض بين النصوص ، فيُعملُ بالأكثر وضوحاً وفق الترتيب التالي :
أولاً : إذا تعارض النص والظاهر قُدِّم النص على الظاهر .
مثالُهُ : قولُهُ تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } .
فاللفظُ يفيد بظاهرِهِ حِلُّ النساء من عدا المُحرَّمات المذكورة في الآية التي قبلها دون تقييد بعدد ، وهذا يتعارض مع قولِهِ تعالى : {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} ، الذي هو نصٌّ في قصر الحل على أربع ، فيكون العمل بالنصِّ لا بالظاهر .
ثانياً : إذا تعارض النَّص والمفسَّر ، قُدِّم المفسَّرُ؛ لأنَّهُ أكثرُ وضوحاً .
مثالُهُ : قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمَة بنت حبيش :{ ثمَّ اغتسلي وتوضئي لكلِّ صلاة} .
وفي روايةٍ أخرى :{ وتوضئي لوقتِ كلِّ صلاة} .
ففي الرواية الأولى : نجد أنَّ الآية نصٌّ إيجاب الوضوء لكل صلاة ، لأنَّ الكلام سيق لأجل ذلك ، لكنَّهُ يحتملُ التأويْلَ ، فهو أن يحتملَ أن يكون المعنى التوضؤ لوقت كل صلاة ، فيجوز أن تصلي أكثر من صلاة بوضوء واحد ، ويحتمل أن يكون عند كل صلاة ، فلا تصلي صلاتين بوضوءٍ واحد .
وفي الرواية الثانية : أوجب الوضوء لوقتِ كلِّ صلاة ، وهذا نصٌّ مفسَّرٌ ، لا يحتمل الكلام معنى آخر .
فيكون العملُ بالمفسّر ، لأنّه أكثرُ وضوحاً ، فتصلي صلواتٍ كثيرة بوضوءٍ واحد وبنفس الوقت .
ثالثاً : إذا تعارض النص مع المحكم قُدِّم المحكم .
مثالُهُ : قولُهُ تعالى :{ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} .
فالآية بدلالة النص تدل على جواز التزوج بأي امرأة من عدا المُحرمات اللاتي ذكرن في الآية التي قبلها .
وهذا يتعارض مع النص المحكم { ولا أن تنكحوا أزواجَهُ من بعدِهِ أبداً } .
فالآية الأولى عامة في كل النساء ، وهذا العموم يتعارض مع تحريم نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقدم المحكم .
القسم الثاني : خفي الدلالة على المعنى
وهو كما مضى أربعة أضرب :
5-الخفي .
6-المشكل.
7-المجمل.
8-المشكل .
الخفي
تعريفُهُ : لفظٌ وُضِعَ لمفهوم له أفراد عرَضَ لبَعْضِ أفرادِهِ خفاءٌ ، كاختصاص ذلك البعض باسم خاص .
قيود التعريف :
1-أن يكون لفظاً وُضِع لمفهومٍ له أفراد .
2-أن يعرض لبعض أفرادِهِ خفاءٌ .
مثالُهُ : قولُهُ تعَالى : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} .
فالسَّارق لفظٌ وُضِعَ له مفهوم في الشرع وهو البالغ العاقل الآخذ مال الغير خفية من حرز لا شبهة فيه .
وهذا المعنى خفي في بعض أفرادِهِ ، كالنباش ونحوِهِ ، ففي شمول مفهوم السَّارق للنباش خفاءٌ ، ولذلك ذهب الأحناف أنه لا قطع هنا لعدم تحقق معنى السارق .
حكمُ الخفيِّ : يُعملُ بمَا ظهر منه ، وبالخفي بعد التأمل والنظر .
المُشكل
تعريفُهُ : ما كان الخفاء فيه من نفس الصيغة ، وغالباً ما يكون الخفاء فيه من تعدد معاني اللفظ .
مثالُهُ : قولُهُ تعالى : {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ } .
وجه الدلالة : أن لفظ القرء في نفس صيغته يحتملُ أن يكون المراد به الحيض كما ذهب إليه الأحناف ، ويحتمل أن يكون المراد به الطهر كما قال ذلك الشافعية ، فهو مشكل لعدم تحديد المعنى المراد منه .
حكمُهُ : لا يجوز العملُ به قبل معرفة المراد منه .
المجمل
تعريفُهُ : ما خفي المراد منه وكان خفاؤه ناشئاً من اللفظ بحيث لا يُدرك إلا ببيان المُجمل نفسه .
مثالُهُ : ألفاظ الصلاة والزكاة الواردة في القرآن ، فهي ألفاظ مجملة تحتاج لبيان من حيث الكيفية ونحوها .
حكمُ المجمل : التوقف في العمل به حتى يأتي بيانه .
المتشابه
تعريفه : ما خفي المراد منه من نفس اللفظ بحيث لا يُرجى معرفته في الدنيا لعدم وجود قرينة تدلُّ عليه ، ولم يَرد عن الشارع بيانُه .
مثالهُ : اوائل السور ، كقوله تعالى { آلم } .
فلا توجد قرينة تدل على المعنى ، ولم يأتِ عن الشارع بيانُهُ ، فلا سبيل إذن لمعرفته في الدنيا .
الخلاصة :
أن اللفظ الخفي إما أن يكون خفاؤه ناشئاً عن صدق مفهومه على بعض أفراده فهو الخفي ، أو يكون الخفاء ناشئاً عن تعدد معاني اللفظ فهو المُشكل ، أو ناشئاً من خفاء كيفيته التي يُتوصل بها إليه فهو المجمل ، أو يكون الخفاء ذاتياً فهو المتشابه .
تقسيم اللفظ باعتبار {ظهور المعنى وخفائه}
ينقسمُ اللفظ باعتبار ظهوره وخفائه إلى قسمين :
الأول : ظاهرُ الدلالة على المعنى ، وهو أربعة أضرب :
1-الظاهر .
2-النص .
3-المفسر .
4-المحكم .
الثاني : خفي الدلالة على المعنى ، وهو كذلك أربعة أضرب :
1-الخفي .
2-المشكل.
3-المجمل.
4-المشكل .
الظاهر
تعريفُهُ : هو اللفظ يدل على معناه بنفس صيغته من غير توقف على أمرٍ خارجي ، ولم يكن مسوقاً بالأصل لإفادة هذا المعنى ، واحتمل التأويل إن كان خاصاً ، أو التخصيص إن كان عاماً .
فهنا نجد أنَّ التعريفَ قد حوى عدَّة قيود :
الأوَّل : أنَّ اللفظَ يدلُّ على معناه بنفس الصيغة ، أي أنّ الدلالة لا تتوقف على أمر خارجي .
الثاني : أن لا يكون مسوقاً بالأصل لإفادة المعنى الظاهر .
الثالث : أن يحتملَ التأويلَ إن كان خاصاً ، أو التخصيص إن كان عاماً .
مثالُهُ : قولُهُ تعالى :{ وأحلَّ اللهُ البيْعَ وحرَّمَ الرِّبا } .
تطبيق التعريف على المثال :
نجد أولاً _بحسب القيد الأول_ أنَّ اللفظ في الآية دلَّ بنفس صيغتِهِ على إحلال البيع وتحريم الرّبا .
ونجد ثانياً _بحسب القيد الثاني _ أنّ هذا المعنى الظاهر لم تسق الآية في الأصل لأجلِهِ ، وإنما سيق في الأصل للرد على مَنْ يُماثلُ بين البيع والربا .
ونجد ثالثاً _بحسب القيد الثالث_ أنَّ هذا النص يحتمل التخصيص ، لأنّهُ ثمّة بيوعاً ليست بجائزة .
النص
تعريفُهُ : هو النص الذي يدل على معناه بنفس صيغتِهِ ، وكان مسوقاً بالأصل لإفادة هذا المعنى ، ويحتملُ التخصيصَ والتأويل .
قيود التعريف :
أولاً : أن يدلَّ على معناه بنفس صيغته ، ليشترك في هذا القيد مع الظاهر .
ثانياً : أن يكونَ مسوقاً بالأصل لإفادة المعنى ، وهذا ما يفترق به عن الظاهر .
ثالثاً : أن يكون محتملاً للتأويل والتخصيص ، وهذا ما يشترك فيه مع الظاهر .
مثالُهُ : قولُهُ تعالى :{وأحل الله البيع وحرّم الربا} .
تطبيق القيود على المثال :
فبحسب القيد الأوَّل نرى أنّ لفظ الآية دلَّ بصيغتها على التفريق بين البيع والربا وقد سيق اللفظ بالأصل لهذا المعنى فكان نصاً فيه .
وبحسب القيد الثاني نرى أنَّ اللفظ أصلاً سيق للتفريق بين البيع والربا ، لأنه إجابة عن شبهةِ قولهم :{ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} .
وبحسب القيد الثالث نجده كذلك يحتمل التأويل والتخصيص لكونه عاماً .
تنبيه : قد يجتمع المعنى الظاهر والنص في لفظٍ واحد كما وقعَ ذلك في قولِهِ تعالى :
{ وأحلَّ اللهُ البيْعَ وحرَّم الربا} .
المفسر
تعريفُهُ : هو اللفظ الذي يدل على معناه المسوق لإفادتِهِ دون أن يحتمل لا تأويلاً أو تخصيصاً لكنه يحتمل النسخ زمن الرِّسالة .
القيود :
1-أنَّ اللفظ يدل على معناه المسوق لإفادتِهِ .
2-أنْ لا يحتمل تأويلاً ولا تخصيصاً ، فبهذا يفترق عن الظاهر والنص .
3-احتماليّة النسخ .
مثاله : قولُهُ تعالى :{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} .
تطبيق القيود على المثال :
بحسب القيد الأول نجد أنَّ اللفظَ يَدلُّ عَلَى معنَاهُ المسوق لإفادة معناه ، وهو أنَّ الزانية والزاني يُجلد مئة جلدة ، فهو لفظ مفسر .
بحسب القيد الثاني نجد أنَّهُ لا يحتمل تأويلاً ولا تخصيصاً لأنّهُ ليس عامَّاً .
وبحسب القيد الثالث نجد أنَّ اللفظ يحتملُ النَّسخ ، لأنَّهُ حكمٌ من الأحكام ، وبذلك يَفترقُ عن الظاهر والنّص .
تنبيه : يُعدُّ مِنَ المُفسَّر كل لفظٍ جاء مُجملاً ثمّ بينه كألفاظِ الصَّلاةِ والحجِّ جاءت مجملةً في القرآن ثمّ فسّرتها السنَّة .
المحكم
تعريفُهُ : هو اللفظُ الذي دلَّ على معناه المَسُوق له بصيغتِهِ ، ولا يحتمل التأويل ولا يحتمل التخصيص ولا النسخ في زمن الرِّسالة ولا بعدها .
قيودُ التعريْف :
1-أن يدلَّ على معناه المسوق له بصيغته .
2-أن لا يحتمل تأويلاً ولا تخصيصاً ،وبهذا يختلف عن الظاهر والنص، ويتفق مع المفسر .
3-أنهُ لا يحتمل نسخاً لا في عهد التشريع ولا بعده من باب أولى ، وبهذا القيد يتباين المُحكم عن النص والظاهر والمفسر .
مثالُهُ : قولُهُ تعالى : { قل هو الله أحد} .
تطبيق القيود :
بحسب القيد الأوَّل نجدُ أنّ اللفظ يدل على معناه بنفس صيغته ، وبحسب القيد الثاني نجد أنَّهُ لا يحتمل تأويلاً ولا تخصيصاً لأنه ليس عاماً ، وبحسب القيد الثالث نجد أنّ الآية لا تحتمل النسخ لإمتناع نفي الأحدية عقلاً وشرْعاً .
ومن المُحكم : أخبارُ الغيبِ ، وآيات الصدق والأمانة والفضائل .
فائدة التقسيم
تظهرُ فائدة هذا التقسيم عند حدوث التعارض بين النصوص ، فيُعملُ بالأكثر وضوحاً وفق الترتيب التالي :
أولاً : إذا تعارض النص والظاهر قُدِّم النص على الظاهر .
مثالُهُ : قولُهُ تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } .
فاللفظُ يفيد بظاهرِهِ حِلُّ النساء من عدا المُحرَّمات المذكورة في الآية التي قبلها دون تقييد بعدد ، وهذا يتعارض مع قولِهِ تعالى : {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} ، الذي هو نصٌّ في قصر الحل على أربع ، فيكون العمل بالنصِّ لا بالظاهر .
ثانياً : إذا تعارض النَّص والمفسَّر ، قُدِّم المفسَّرُ؛ لأنَّهُ أكثرُ وضوحاً .
مثالُهُ : قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمَة بنت حبيش :{ ثمَّ اغتسلي وتوضئي لكلِّ صلاة} .
وفي روايةٍ أخرى :{ وتوضئي لوقتِ كلِّ صلاة} .
ففي الرواية الأولى : نجد أنَّ الآية نصٌّ إيجاب الوضوء لكل صلاة ، لأنَّ الكلام سيق لأجل ذلك ، لكنَّهُ يحتملُ التأويْلَ ، فهو أن يحتملَ أن يكون المعنى التوضؤ لوقت كل صلاة ، فيجوز أن تصلي أكثر من صلاة بوضوء واحد ، ويحتمل أن يكون عند كل صلاة ، فلا تصلي صلاتين بوضوءٍ واحد .
وفي الرواية الثانية : أوجب الوضوء لوقتِ كلِّ صلاة ، وهذا نصٌّ مفسَّرٌ ، لا يحتمل الكلام معنى آخر .
فيكون العملُ بالمفسّر ، لأنّه أكثرُ وضوحاً ، فتصلي صلواتٍ كثيرة بوضوءٍ واحد وبنفس الوقت .
ثالثاً : إذا تعارض النص مع المحكم قُدِّم المحكم .
مثالُهُ : قولُهُ تعالى :{ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} .
فالآية بدلالة النص تدل على جواز التزوج بأي امرأة من عدا المُحرمات اللاتي ذكرن في الآية التي قبلها .
وهذا يتعارض مع النص المحكم { ولا أن تنكحوا أزواجَهُ من بعدِهِ أبداً } .
فالآية الأولى عامة في كل النساء ، وهذا العموم يتعارض مع تحريم نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقدم المحكم .
القسم الثاني : خفي الدلالة على المعنى
وهو كما مضى أربعة أضرب :
5-الخفي .
6-المشكل.
7-المجمل.
8-المشكل .
الخفي
تعريفُهُ : لفظٌ وُضِعَ لمفهوم له أفراد عرَضَ لبَعْضِ أفرادِهِ خفاءٌ ، كاختصاص ذلك البعض باسم خاص .
قيود التعريف :
1-أن يكون لفظاً وُضِع لمفهومٍ له أفراد .
2-أن يعرض لبعض أفرادِهِ خفاءٌ .
مثالُهُ : قولُهُ تعَالى : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} .
فالسَّارق لفظٌ وُضِعَ له مفهوم في الشرع وهو البالغ العاقل الآخذ مال الغير خفية من حرز لا شبهة فيه .
وهذا المعنى خفي في بعض أفرادِهِ ، كالنباش ونحوِهِ ، ففي شمول مفهوم السَّارق للنباش خفاءٌ ، ولذلك ذهب الأحناف أنه لا قطع هنا لعدم تحقق معنى السارق .
حكمُ الخفيِّ : يُعملُ بمَا ظهر منه ، وبالخفي بعد التأمل والنظر .
المُشكل
تعريفُهُ : ما كان الخفاء فيه من نفس الصيغة ، وغالباً ما يكون الخفاء فيه من تعدد معاني اللفظ .
مثالُهُ : قولُهُ تعالى : {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ } .
وجه الدلالة : أن لفظ القرء في نفس صيغته يحتملُ أن يكون المراد به الحيض كما ذهب إليه الأحناف ، ويحتمل أن يكون المراد به الطهر كما قال ذلك الشافعية ، فهو مشكل لعدم تحديد المعنى المراد منه .
حكمُهُ : لا يجوز العملُ به قبل معرفة المراد منه .
المجمل
تعريفُهُ : ما خفي المراد منه وكان خفاؤه ناشئاً من اللفظ بحيث لا يُدرك إلا ببيان المُجمل نفسه .
مثالُهُ : ألفاظ الصلاة والزكاة الواردة في القرآن ، فهي ألفاظ مجملة تحتاج لبيان من حيث الكيفية ونحوها .
حكمُ المجمل : التوقف في العمل به حتى يأتي بيانه .
المتشابه
تعريفه : ما خفي المراد منه من نفس اللفظ بحيث لا يُرجى معرفته في الدنيا لعدم وجود قرينة تدلُّ عليه ، ولم يَرد عن الشارع بيانُه .
مثالهُ : اوائل السور ، كقوله تعالى { آلم } .
فلا توجد قرينة تدل على المعنى ، ولم يأتِ عن الشارع بيانُهُ ، فلا سبيل إذن لمعرفته في الدنيا .
الخلاصة :
أن اللفظ الخفي إما أن يكون خفاؤه ناشئاً عن صدق مفهومه على بعض أفراده فهو الخفي ، أو يكون الخفاء ناشئاً عن تعدد معاني اللفظ فهو المُشكل ، أو ناشئاً من خفاء كيفيته التي يُتوصل بها إليه فهو المجمل ، أو يكون الخفاء ذاتياً فهو المتشابه .