محمد ال عمر التمر
04-11-2005, 18:21
الإمام أبو المعالي السلمي المناوي المتوفى عام 803 هـ له في كتاب نفيس فرائد الفوائد وتعارض القولين لمجتهد واحد الذي ألفه في بيان سبب تعدد أقوال الإمام الشافعي وما يتعلق بذلك .
قال في بيان أقسام أقوال الإمام الشافعي وقد سبقه في ذلك الماوردي في الحاوي والرازي في المناقب ولكن تقسيم السلمي أسهل تناولا.
أن ما ذكره الشافعي رضي الله عنه من القولين ينقسم إلى أربعة عشر قسما لا يخرج كلامه عنها:
الأول: أن يقيد جوابه في موضع ويطلقه في موضع.
مثل قوله في مختصر المزني في باب الحيض: أقل الحيض يوم وليلة وقال في كتاب العدة من المختصر: أقل ما علمنا من الحيض يوم قال الماوردي أراد به مع ليلته وهو معهود من كلام العرب كما جاء في القرآن {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب} فإطلاق ذكر الأيام يقتضي إضافة الليالي.
(وقد جاء في المهذب للشيرازي والتحقيق للنووي أن له قولان في المسألة إضافة الليلة الآخر منهما)
الثاني ما اختلفت فيه ألفاظه مع اتفاق معانيها من وجه واختلاف معانيها من وجه فغلّب بعض أصحابنا حكمها في الاختلاف ولم يغلّب حكمها في الاتفاق.
فخرج حكم المسألة على قولين مثل قوله كما في مختصر المزني في المظاهر إذا منع الجماع أحببت أن يمنع القبلة والتلذذ احتياطا حتى يكفر. وقال في القديم رأيت أن يمنع القبلة والتلذذ وهي لفظة محتملة. فيحتمل أن يحمل على الاستحباب والإيجاب فكان حملها على الاستحباب أولى كما صرح به في موضع آخر والحمل على الإيجاب جائز وقد أجرى فيها الأصحاب قولين.
الثالث: ما اختلف قوله فيه لاختلاف حاليه
كقوله فيمن نكح امرأة على صداق معلوم بشرط الخيار: أن النكاح باطل ونص في موضع آخر على أن النكاح صحيح والصداق فاسد، وأراد بالأول شرط الخيار في النكاح والثاني شرط الخيار في الصداق فهما مسألتان. قال الماوردي: فإن قيل أفنستعمل هذا في كل ما يمكن من اختلاف القولين أم لا؟
قلنا: نعتبر ذلك في أصول مذهبه حمل الحكمين على اختلاف حالين، ويوجد ذلك على ثلاثة أضرب:
1ـ أن يقتضى أصول مذهبه حمل الحكمين على اختلاف حالين، فيحمل على اختلاف حالين ولا يحمل على اختلاف قولين.
2ـ أن تمنع أصول مذهبه من حملهما على اختلاف حالين فيحمل على اختلاف قولين على ما سيتضح ولا يحمل على اختلاف حالين.
3ـ أن تتقابل أصول مذهبه في أمرين فمن أصحابنا من غلب حكمه على اختلاف حالين ومن أصحابنا من غلب حكمه على اختلاف قولين، والأول أولى، لأن ما أمكن حمله على الوفاق كان أولى من حمله على الخلاف.
الرابع: ما اختلف قوله في لاختلاف القراءة أو لاختلاف الرواية.
اختلاف القراءة مثل قوله تعالى: {أو لامستم} قال القاضي حسين والماوردي توجب الوضوء على اللامس والملموس وقرئ {لمستم} توجبه على اللامس دون الملموس فلأجل اختلاف القراءة اختلف قول الشافعي في انتقاض وضوء الملموس.
أما اختلاف الرواية فكما روي أنه صلى الله عليه وسلم صلّى العشاء الآخرة في اليوم الثاني حين ذهب من الليل نصفه وفي رواية أخرى حين ذهب من الليل ثلثه فلأجل اختلاف الرواية اختلف قول الشافعي فقال في القديم والإملاء أن وقت الاختيار يمتد إلى نصف الليل وقال في الجديد إلى ثلث الليل.
الخامس: ما اختلف قوله فيه لأنه عمل على أحد القولين بظاهر من كتاب الله ثم بلغته سنة ثابتة فنقلته عن الظاهر إلى قول آخر:
كقوله تعالى { فصيام ثلاثة أيام في الحج} فأخذه بظاهره فأوجب صيامها في أيام التشريق إذا لم يجد المتمتع هديا، ولم يصم قبل عرفة كما نص عليه في القديم ونقل في الأم عن عائشة وابن عمر ثم قال وبهذا نقول لأنها الظاهر من أيام الحج ثم روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيامها فعدل بهذه الرواية عمّا عمل به من ظاهر الكتاب وأوجب الصيام بعد إحرامه وقبل يوم العيد إتباعا للسنة ومنع من صوم أيام التشريق فقال في الأم بعد أن ذكر حديث النهي عن صومها: فلا أرى أن يصوم أيام منى وقد كنت أراه.
السادس: ما اختلف قوله فيه لأنه عمل بالقياس ثم بلغته سنة لم تثبت عند تخالف موجب القياس فجعل مذهبه بعد ذكر السنة موقوفا على ثبوتها كالذي جاءت به السنة من الصيام عن الميت والغسل من غسل الميت رويا له من طريقين ضعيفين فقال بموجب القياس بأن لا يُصام عن الميت ولا يُغتسل من غسله ثم ذكر ما رُوي من السنة فقال: إن صح الحديث قلت به فأظهر موجب القياس وأوجب العدول عنه إن صح الحديث.
السابع أن يذكر القولين لإبطال ما عداهما من أقاويل كثيرة ذهب إليها المجتهدون
ويكون مذهبه موقوفا على ما يؤدي غليه اجتهاده من صحة أحدهما وإن لم يكن قائلا في الحال بهما ومثل هذا جاء به الشرع والعمل المأثور.
أما الشرع فقوله صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر التمسوها في العشر الأواخر من رمضان فنفى أن تكون في غير العشر الأواخر كأنه إذا اجتهد في الكل أصابها. وأما العمل بالمأثور فما عمله عمر رضي الله عنه في أهل الشورى وأجمع الناس على تصويب ما فعله عمر رضي الله عنه
الثامن: أن يقصد بالقولين إبطال ما توسطهما
ويكون مذهبه منهما ما حكم به وفرّع عليه مثل قوله في الجوائح وقد قدرها مالك بوضع الثلث فقال الشافعي ليس إلا أحد قولين إما أن يوضع جميعها أو لا يوضع منها شيء
التاسع: أن يذكر الشافعي قولين مختلفين في مسألتين متفقتين فيخرجها أصحابه على قوله وهذا ليس على إطلاقه.
العاشر: ما اختلف قوله فيه لأنه أداه اجتهاده إلى أحدهما فقال به ثم أداه اجتهاده إلى القول الآخر فعدل إليه
وهذا غير مستنكر في الصحابة ومن بعدهم من علماء الأمصار في سائر الأعصار.
الحادي عشر: أن يكون قال في المسألة بقول في موضع وقال فيها بقول آخر في موضع آخر فيخرجها أصحابه على قولين
ويُنظر في اختلافهما: فإن تقدم احد القولين على الآخر فيكون كأنه قال بأحدهما ثم رجع عنه فيكون الثاني هو المعمول به.
وإن أشكل المتقدم منهما من المتأخر فلا يجوز أن يضافا إليه معا لأنه لم يقل بهما في حالة واحدة فإن كان أصول مذهبه توافق أحدهما فقد اقترن بتنصيصه عليه دليل من مذهبه فكان هو المذهب المضاف إليه.
وأن لم يكن في أصول مذهبه موافقة أحدهما فأن تكرر منه ذكر أحد القولين أو فرّع عليه دون الآخر فهو المذهب وإن استويا صار مذهبة مشتبها فإن قلنا كل مجتهد مصيب جاز أن يضاف إلى المذهب القولان.
الثاني عشر: أن يذكر القولان حكاية عن مذهب غيره
فلا يوجب حكايته لهما أن يكونا قولين له لأن الحاكي مخبر عن معتقد غيره فلم يجز أن يضافا إليه. كذكره مذهب أبي حنيفة أو غيره في بعض المسائل.
الثالث عشر. أن يذكر القولين معتقدا لأحدهما وزاجرا للآخر.
كما نقل في قضاء القاضي بعلمه ضد هذا القول خوفا من قضاة السوء.
الرابع عشر: أن يقول في المسألة الواحدة بقولين مختلفين يجمع فيهما بين جوابين متضادين فيحكم بحل الشيء في أحدهما وتحريمه في الآخر ويوجب الشيء في أحدهما ويسقطه في الآخر فهذا على ضربين:
أحدهما أن يميّز أحد القولين بما ينبّه على اختياره مثل قوله وهذا مما استخير الله فيه) فهو ترجيح منه لذلك القول واختيار له جزم به الماوردي.
الضرب الثاني وهو ما إذا جمع بين القولين وأطلقهما ولم يميّز احدهما باختيار ولا ترجيح فهذا على ثلاثة أقسام:
1ـ أن يتوقف في القولين المتعارضين لاحتمال الأدلة ليستوضح الحق في أحدهما بمراجعة الاجتهاد فيهما وليس بمستنكر عند العلماء التوقف عند الاشتباه.
ويكون القصد في ذكر القولين بيان أن لكل واحد منهما وجها في الاجتهاد ويكون القصد أيضا إبطال ما عداهما.
2ـ أن يجمع بينهما في القول لتردد الفرع بين أصلين يحلّه أحدهما ويحرّمه الآخر ويوجبه احدهما ويسقطه الآخر فيجمع بينهما في رد الفرع إليهما فيجعله حلالا حراما وواجبا ساقطا وهذا يستحيل أن يكون قائلا به لآن من المستحيل أن يجمع بين ضدين حسا فيستحيل أن يجمع بينهما حكما وهذا لا يقول به الشافعي ولا غيره من الأئمة.
3ـ أن يجمع بين القولين على التخيير في أحدهما دون الجمع بينهما لتردد الفرع بين أصلين يحلّه أحدهما ويحرّمه الآخر ويوجبه أحدهما ويسقطه الآخر فيخيّر في رده إلى أي الأصلين شاء لتساوي النسبة بينهما وتعارض الأدلة فيهما
وهذا اختيار الغزالي واحتج له وفصّل إمام الحرمين فقال أن كان القولان في تعيين أحد واجبين جاز القول بالتخيير كما في خصال الكفارة وأن كان في حكمين متضادين كتحليل وتحريم وإيجاب وجواز فلا يقال بالتخيير مع التضاد. فلا يُنسب إليه منهما قول وما رجحه الغزالي يصح عند اعتقاد إمكان تكافؤ الأدلة ووقوع ذلك وهو اختياره وعند اعتقاد إصابة المجتهدين وقد تقرر في الأصول الخلاف في ذلك وأن الصحيح أن المصيب واحد.
وإذا تأملت ما ذكرناه ونقلناه عن القوم عرفت ، حقيقة ذلك راجعة إلى أن الشافعي رضي الله عنه إذا ذكر في المسألة قولين ليس مراده الفتوى بهما جميعا ولا العمل بها جميعا.
فإن قالوا: فماذا تصنعون؟
قلنا نجتهد في الترجيح بالطرق التي ذكرناها وفي بعضها يعمل بما صح من الحديث وفي بعضها باعتضاد أحد القولين بقول صحابي أو حديث مرسل أو بقياس.
وأما المسائل التي ليس فيها شيء من ذلك أو حصل التساوي فيهما لم يجزم الشافعي فيها بشيء فعلى طريقة القاضي والغزالي ومن وافقهما يتخير المفتى في الفتوى والعمل بأيهما شاء.
وعلى طريقة غيرهم لا يفتي فيها على أنها مذهبه وقد توقف الاصحاب في مسائل لم يرجحوا فيها شيئا والله أعلم.
قال في بيان أقسام أقوال الإمام الشافعي وقد سبقه في ذلك الماوردي في الحاوي والرازي في المناقب ولكن تقسيم السلمي أسهل تناولا.
أن ما ذكره الشافعي رضي الله عنه من القولين ينقسم إلى أربعة عشر قسما لا يخرج كلامه عنها:
الأول: أن يقيد جوابه في موضع ويطلقه في موضع.
مثل قوله في مختصر المزني في باب الحيض: أقل الحيض يوم وليلة وقال في كتاب العدة من المختصر: أقل ما علمنا من الحيض يوم قال الماوردي أراد به مع ليلته وهو معهود من كلام العرب كما جاء في القرآن {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب} فإطلاق ذكر الأيام يقتضي إضافة الليالي.
(وقد جاء في المهذب للشيرازي والتحقيق للنووي أن له قولان في المسألة إضافة الليلة الآخر منهما)
الثاني ما اختلفت فيه ألفاظه مع اتفاق معانيها من وجه واختلاف معانيها من وجه فغلّب بعض أصحابنا حكمها في الاختلاف ولم يغلّب حكمها في الاتفاق.
فخرج حكم المسألة على قولين مثل قوله كما في مختصر المزني في المظاهر إذا منع الجماع أحببت أن يمنع القبلة والتلذذ احتياطا حتى يكفر. وقال في القديم رأيت أن يمنع القبلة والتلذذ وهي لفظة محتملة. فيحتمل أن يحمل على الاستحباب والإيجاب فكان حملها على الاستحباب أولى كما صرح به في موضع آخر والحمل على الإيجاب جائز وقد أجرى فيها الأصحاب قولين.
الثالث: ما اختلف قوله فيه لاختلاف حاليه
كقوله فيمن نكح امرأة على صداق معلوم بشرط الخيار: أن النكاح باطل ونص في موضع آخر على أن النكاح صحيح والصداق فاسد، وأراد بالأول شرط الخيار في النكاح والثاني شرط الخيار في الصداق فهما مسألتان. قال الماوردي: فإن قيل أفنستعمل هذا في كل ما يمكن من اختلاف القولين أم لا؟
قلنا: نعتبر ذلك في أصول مذهبه حمل الحكمين على اختلاف حالين، ويوجد ذلك على ثلاثة أضرب:
1ـ أن يقتضى أصول مذهبه حمل الحكمين على اختلاف حالين، فيحمل على اختلاف حالين ولا يحمل على اختلاف قولين.
2ـ أن تمنع أصول مذهبه من حملهما على اختلاف حالين فيحمل على اختلاف قولين على ما سيتضح ولا يحمل على اختلاف حالين.
3ـ أن تتقابل أصول مذهبه في أمرين فمن أصحابنا من غلب حكمه على اختلاف حالين ومن أصحابنا من غلب حكمه على اختلاف قولين، والأول أولى، لأن ما أمكن حمله على الوفاق كان أولى من حمله على الخلاف.
الرابع: ما اختلف قوله في لاختلاف القراءة أو لاختلاف الرواية.
اختلاف القراءة مثل قوله تعالى: {أو لامستم} قال القاضي حسين والماوردي توجب الوضوء على اللامس والملموس وقرئ {لمستم} توجبه على اللامس دون الملموس فلأجل اختلاف القراءة اختلف قول الشافعي في انتقاض وضوء الملموس.
أما اختلاف الرواية فكما روي أنه صلى الله عليه وسلم صلّى العشاء الآخرة في اليوم الثاني حين ذهب من الليل نصفه وفي رواية أخرى حين ذهب من الليل ثلثه فلأجل اختلاف الرواية اختلف قول الشافعي فقال في القديم والإملاء أن وقت الاختيار يمتد إلى نصف الليل وقال في الجديد إلى ثلث الليل.
الخامس: ما اختلف قوله فيه لأنه عمل على أحد القولين بظاهر من كتاب الله ثم بلغته سنة ثابتة فنقلته عن الظاهر إلى قول آخر:
كقوله تعالى { فصيام ثلاثة أيام في الحج} فأخذه بظاهره فأوجب صيامها في أيام التشريق إذا لم يجد المتمتع هديا، ولم يصم قبل عرفة كما نص عليه في القديم ونقل في الأم عن عائشة وابن عمر ثم قال وبهذا نقول لأنها الظاهر من أيام الحج ثم روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيامها فعدل بهذه الرواية عمّا عمل به من ظاهر الكتاب وأوجب الصيام بعد إحرامه وقبل يوم العيد إتباعا للسنة ومنع من صوم أيام التشريق فقال في الأم بعد أن ذكر حديث النهي عن صومها: فلا أرى أن يصوم أيام منى وقد كنت أراه.
السادس: ما اختلف قوله فيه لأنه عمل بالقياس ثم بلغته سنة لم تثبت عند تخالف موجب القياس فجعل مذهبه بعد ذكر السنة موقوفا على ثبوتها كالذي جاءت به السنة من الصيام عن الميت والغسل من غسل الميت رويا له من طريقين ضعيفين فقال بموجب القياس بأن لا يُصام عن الميت ولا يُغتسل من غسله ثم ذكر ما رُوي من السنة فقال: إن صح الحديث قلت به فأظهر موجب القياس وأوجب العدول عنه إن صح الحديث.
السابع أن يذكر القولين لإبطال ما عداهما من أقاويل كثيرة ذهب إليها المجتهدون
ويكون مذهبه موقوفا على ما يؤدي غليه اجتهاده من صحة أحدهما وإن لم يكن قائلا في الحال بهما ومثل هذا جاء به الشرع والعمل المأثور.
أما الشرع فقوله صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر التمسوها في العشر الأواخر من رمضان فنفى أن تكون في غير العشر الأواخر كأنه إذا اجتهد في الكل أصابها. وأما العمل بالمأثور فما عمله عمر رضي الله عنه في أهل الشورى وأجمع الناس على تصويب ما فعله عمر رضي الله عنه
الثامن: أن يقصد بالقولين إبطال ما توسطهما
ويكون مذهبه منهما ما حكم به وفرّع عليه مثل قوله في الجوائح وقد قدرها مالك بوضع الثلث فقال الشافعي ليس إلا أحد قولين إما أن يوضع جميعها أو لا يوضع منها شيء
التاسع: أن يذكر الشافعي قولين مختلفين في مسألتين متفقتين فيخرجها أصحابه على قوله وهذا ليس على إطلاقه.
العاشر: ما اختلف قوله فيه لأنه أداه اجتهاده إلى أحدهما فقال به ثم أداه اجتهاده إلى القول الآخر فعدل إليه
وهذا غير مستنكر في الصحابة ومن بعدهم من علماء الأمصار في سائر الأعصار.
الحادي عشر: أن يكون قال في المسألة بقول في موضع وقال فيها بقول آخر في موضع آخر فيخرجها أصحابه على قولين
ويُنظر في اختلافهما: فإن تقدم احد القولين على الآخر فيكون كأنه قال بأحدهما ثم رجع عنه فيكون الثاني هو المعمول به.
وإن أشكل المتقدم منهما من المتأخر فلا يجوز أن يضافا إليه معا لأنه لم يقل بهما في حالة واحدة فإن كان أصول مذهبه توافق أحدهما فقد اقترن بتنصيصه عليه دليل من مذهبه فكان هو المذهب المضاف إليه.
وأن لم يكن في أصول مذهبه موافقة أحدهما فأن تكرر منه ذكر أحد القولين أو فرّع عليه دون الآخر فهو المذهب وإن استويا صار مذهبة مشتبها فإن قلنا كل مجتهد مصيب جاز أن يضاف إلى المذهب القولان.
الثاني عشر: أن يذكر القولان حكاية عن مذهب غيره
فلا يوجب حكايته لهما أن يكونا قولين له لأن الحاكي مخبر عن معتقد غيره فلم يجز أن يضافا إليه. كذكره مذهب أبي حنيفة أو غيره في بعض المسائل.
الثالث عشر. أن يذكر القولين معتقدا لأحدهما وزاجرا للآخر.
كما نقل في قضاء القاضي بعلمه ضد هذا القول خوفا من قضاة السوء.
الرابع عشر: أن يقول في المسألة الواحدة بقولين مختلفين يجمع فيهما بين جوابين متضادين فيحكم بحل الشيء في أحدهما وتحريمه في الآخر ويوجب الشيء في أحدهما ويسقطه في الآخر فهذا على ضربين:
أحدهما أن يميّز أحد القولين بما ينبّه على اختياره مثل قوله وهذا مما استخير الله فيه) فهو ترجيح منه لذلك القول واختيار له جزم به الماوردي.
الضرب الثاني وهو ما إذا جمع بين القولين وأطلقهما ولم يميّز احدهما باختيار ولا ترجيح فهذا على ثلاثة أقسام:
1ـ أن يتوقف في القولين المتعارضين لاحتمال الأدلة ليستوضح الحق في أحدهما بمراجعة الاجتهاد فيهما وليس بمستنكر عند العلماء التوقف عند الاشتباه.
ويكون القصد في ذكر القولين بيان أن لكل واحد منهما وجها في الاجتهاد ويكون القصد أيضا إبطال ما عداهما.
2ـ أن يجمع بينهما في القول لتردد الفرع بين أصلين يحلّه أحدهما ويحرّمه الآخر ويوجبه احدهما ويسقطه الآخر فيجمع بينهما في رد الفرع إليهما فيجعله حلالا حراما وواجبا ساقطا وهذا يستحيل أن يكون قائلا به لآن من المستحيل أن يجمع بين ضدين حسا فيستحيل أن يجمع بينهما حكما وهذا لا يقول به الشافعي ولا غيره من الأئمة.
3ـ أن يجمع بين القولين على التخيير في أحدهما دون الجمع بينهما لتردد الفرع بين أصلين يحلّه أحدهما ويحرّمه الآخر ويوجبه أحدهما ويسقطه الآخر فيخيّر في رده إلى أي الأصلين شاء لتساوي النسبة بينهما وتعارض الأدلة فيهما
وهذا اختيار الغزالي واحتج له وفصّل إمام الحرمين فقال أن كان القولان في تعيين أحد واجبين جاز القول بالتخيير كما في خصال الكفارة وأن كان في حكمين متضادين كتحليل وتحريم وإيجاب وجواز فلا يقال بالتخيير مع التضاد. فلا يُنسب إليه منهما قول وما رجحه الغزالي يصح عند اعتقاد إمكان تكافؤ الأدلة ووقوع ذلك وهو اختياره وعند اعتقاد إصابة المجتهدين وقد تقرر في الأصول الخلاف في ذلك وأن الصحيح أن المصيب واحد.
وإذا تأملت ما ذكرناه ونقلناه عن القوم عرفت ، حقيقة ذلك راجعة إلى أن الشافعي رضي الله عنه إذا ذكر في المسألة قولين ليس مراده الفتوى بهما جميعا ولا العمل بها جميعا.
فإن قالوا: فماذا تصنعون؟
قلنا نجتهد في الترجيح بالطرق التي ذكرناها وفي بعضها يعمل بما صح من الحديث وفي بعضها باعتضاد أحد القولين بقول صحابي أو حديث مرسل أو بقياس.
وأما المسائل التي ليس فيها شيء من ذلك أو حصل التساوي فيهما لم يجزم الشافعي فيها بشيء فعلى طريقة القاضي والغزالي ومن وافقهما يتخير المفتى في الفتوى والعمل بأيهما شاء.
وعلى طريقة غيرهم لا يفتي فيها على أنها مذهبه وقد توقف الاصحاب في مسائل لم يرجحوا فيها شيئا والله أعلم.