أنفال سعد سليمان
02-12-2012, 09:51
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ و سلِّم على سيدنا محمد و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسان إلى بوم الدين ....
هذه قصيدة رائعة، و بارعة، أعجبتني جدًّا، من حيث المعنى، و من حيث الابتكار و الإبداع الذي لا يُنكَر في صياغتها، بقلم أخ لا أعرفه و الله، و اسمه الأخ جمال حمدان، في منتدى اسمه "أبناء مصر". و لعلي أشرح بعض الوجوه البلاغية أو أعلق بحسب ما يفتح الله تعالى علي، إن شاء الله، و الله تعالى الموفق.
(هذا مصدر القصيدة:
http://www.egyptsons.com/misr/showthread.php?t=28634&)
قال الأخ جمال حمدان:
قَالُوْا : الْعَمَىَ فَقْدُالنَّظَرْ. قُلْتُ :البَصِيْرَةِ لاَ البَصَرْ
قَالُوْا :الْحَيَاةُ قَصِيْرَةٌ وَالْمَوْتُ آفَاتُ البَشَرْ
قُلْتُ : اجْعَلُوُا مِقْيَاسَكُمْ ليَسَْ الزَّمَانَ بَلِ الأَثَرْ
كَمْ فِيْ الْقُصُوْرِ مُغَيَّبٍ وَيَظَلُّ ذِكْرُ ذَوِيْ الْحُفَرْ
قَالُوْا :الْمَحَبَّةُ نِقْمَةٌ لاَ خَيْرَ مِنْهَا يُنْتَظَرْ
وَإِنِ اسْتَمَرَّت لاَ تَـدُومُ كَبَيْتِ رَمْلٍ فِيْ الْمَطَرْ
قُلْتُ : الْمَحَبَّةُ لاَ تَموتُْ بِعَاشِقٍ فِيْهَا عَثَرْ
إِنِّيْ أَرَاكَ تَلُوْمُ عُــوْدا إِنْ خَبَا صَوْتُ الْوَتَرْ
يَكْفِيْ الْمَحَبَّةَ إِسْمُهَا مِنْ حَبَّةِ الْقَلْبِ انْحَدَرْ
إِنِّيْ أَرَاهَا نِعْمَةً وَإِنِ اخْتَلَفْنَا فِيْ النَّظَرْ
وَلِمَ التَّطَابُقُ!فَالتَّبَايِنُ كَانَ مُذْ خُلِقَ البَشَرْ!
فَالْبَعْضُ قَالَ: الْحُبُّ بَحْرٌ لاَ يُطَاقُ بِهِ السَّفَرْ
وَالْبَعْضُ ذَاقُوْهُ فَمِنْـهُمْ مَنْ يَقُوْلُ: بِهِ الضَّرَرْ
والْبَعْضُ ذَمَّ وَبَعْضُهُم ْوَجِلٌ وَبَعْضٌ لَمْ يُسَرّ
وَالْبَعْضُ لاَ رَأْيٌ وَيَعْـتـقِدُ السَّلاَمَةَ فِيْ الْحَذَرْ
وَأَقُوْلُ لاَهَذِيْ وَلاَ تِلكُمْ ولاَ حَرٌّ وَقُرْ
يَامَنْ رَأَيْتَ الْحُبَّ هَجْـراً أَوْ دُمُوْعاً أَوْسَهَرْ
دَعْنِيْ أَقُوْلُ : إِذَا جَزِعْـتَ أَيَدْرَأُ الْجَزَعُ الْقَدَرْ ؟
فَالْحُبُّ سَهْمٌ نَافِذٌ وَلِكُلِّ سَهْمٍ مُسْتَقَرْ
وَالْحُبُّ أَعْذَبُهُ الَّذِيْ حَرَقَ الْقُلُوْبَ بِلاَ شَرَرْ
وَالْحُبُّ أَقْوَاهُ الَّذِيْ قَدْ حَالَ بَيْنَكَ وَالْوَطَرْ
وَالْحُبُّ أَبْقَاهُ الَّذِيْ غَنَّتْهُ أَوْتَارُ السَّحَرْ
فَجَرَىَ النَّسِيْمُ جَدَاوِلاً وَغَفَا الْهَزَارُ عَلَىَ الشَّجَرْ
بِالْحُبِّ - لَوْلاَ الْحُبُّ -قَيْـسٌ فِيْ الْبَرِيَّةِ مَا اشْتُهِرْ!
وَكُثَيرُعَزَّةَ أَوْ جَمِيلٌ وَالَّذِيْنَ هُمُ كُثُرْ!
وَبِدُوْنِهِ الْخَنْسَاءُ مَا نَـاحَتْ وَلاَكُفَّ الْبَصَرْ
وَبِدُوْنِهِ لاَ فَرْقَ بَيْــنَ بُيُوْتِ شِعْرٍ أَوْ شَعَرْ!
لِلْحُبِّ غَنَّىَ (مَعْبَدٌ) وَبِهِ تَرَقْرَقَتِ الْعِبَرْ
لِلْحُبِّ نَزْرَعُ وَرْدةً وَلأَجْلِهِ نَهْوَىَ الْقَمَرْ!
بِالْحُبِّ عيسىَ جاء يشدو في الفيافي والْكُوَرْ
وَبِهِ يَعُوْدُ كَمَا أَشَـارَالْمُصْطَفَىَ خَيْرُ الْبَشَرْ
دَاوُدُ نَاجَىَ بِالْمَحَبَّـةِ رَبَّهُ وَدَعَا الْحَجَرْ
وَفَدَا عَلِيٌّ فِيْ الْفِرَاشِ نَبِيَّنَا عِنْدَالْخَطَرْ
بَالْحُبِّ فَاضَتْ زَمْزَمٌ , بِالْحُبِّثَ ثدْيُ الأُمِّ دَرّ
يَا صَاحِ ! لَوْلاَ الْحُبُّ مَاكَانَتْ ذُنُوْبِيَ تُغْتَفَرْ!
حُبُّ الشَّفِيْعِ . وَرَحْمَةُالمَـولَىَ نَجَاتِيَ مِنْ سَقَرْ!
أَعَرِفْتَ مَعْنَىَ الْحُبِّ أَمْ آتي بأَمْثِلَةٍ أُخَرْ !
فَانْظُرْ - رَعَاكَ اللهُ - عَلَّكَ قَدْ أَعَدْتَ بِهِ النَّظَرْ!
فَأَنَا أُجِلُّكَ أَنْ يُقَالَ: بِكَ الْمَرَارَةُ لاَ الثَّمَرْ!
هَا قَدْ وَهَبْتُكَ مِغْزَلِيْ فَاخْتَرْ لَهُ أَنْتَ الْوَبَرْ!!!
ما شاء الله! ما هذا الجمال ....
و بودي أن أعلق على هذا البيت الجميل:
وَالْحُبُّ أَعْذَبُهُ الَّذِيْ حَرَقَ الْقُلُوْبَ بِلاَ شَرَرْ
فهذا الأسلوب الذي اتبعه الشاعر ملفت، أقصد، سلبُ المشبه به خاصِّية من خواصه، أو صفة من صفاته، أو عرضًا خاصًّا، كما يقول المناطقة. و قد جاء هنا على سبيل الاستعارة المكنية.
و بيانُه: أنه شبه الحب بالنار التي تحرق، فأضمر الحب -المشبه به-، و أثبت خاصية من خواصها، الإحراق، ثم سلب منها عرضًا من أعراضها الخاصة، و أعني به الشرر. و لكم أن تتخيلوا أن هذه العملية التي يجريها العقل تتم بصورة خفية سلسة من حيث لا يشعر الشاعر. (في العبارة الأخيرة ثلاثة أساليب بلاغيان! و من يكشفهما فسوف يساعده ذلك على ممارسة علوم البلاغة و الارتقاء فيها).
و الغرض من هذا الأسلوب هو ترك القارئ طرِبًا منتشيًا، و سبحان الله، فإن التناقض و التضاد له أثر جميل في النفس، و يذكرني بقول الله تعالى: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَان يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)}. و قول الله تعالى: {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ} هو قريبٌ مما شرحتُه أعلاه، و الله تعالى أعلم.
و في هذا بيت يُضاف إليه -زيادةً على ذلك- الابتكار و التجديد اللذان يعشقهما كل إنسان.
و نظيرُ هذا الأسلوب قول المتنبي:
عَلَيها رِياضٌ لم تَحُكْها سَحابَةٌ وأغصانُ دَوْحٍ لمْ تُغَنِّ حَمَائِمُهْ
و فوق حواشي كلِّ ثوب مُوجَّه من الدُّرِّ سمطٌ لم يثقِّبه ناظمُه
و قوله في قصيدته الميمية الشهيرة:
أُراقِـبُ وَقـتَها مِن غَيرِ شَوقٍ مُـراقَبَةَ الـمَشوقِ الـمُستَهامِ
و الآن فقط جاء على بالي أني شرحتُ هذا الأسلوب من قبل أيضًا من خلال شرحي لهذا البيت أعلاه، و سأنقله هنا:
[قول المتنبي : هي تفارقني ليلًا ، واعدةً أن تزور الليل القادم ، فأنا أرقب وقتها لا أفتر و لا أملَّ ، مراقبةَ العاشق الولهان ، الذي لا همَّ له و لا شغل مذ عرف وقت الموعد إلى مجيئه إلا ترقُّب حضور المحبوب !! فهو قد تلبَّس بأعراض العاشق الولهان ، و لكنَّه عارٍ عن ذاتيَّاته !! فقول المتنبي "من غير شوق" ، أي من غير ذاتيات الشوق ، و قوله "مراقبةَ المشوق المستهام" أي مراقبة متلبِّسٍ بأعراض عديدة تعرِض على المشوق المستهام تصحِّح له أن يصف نفسه بهذين الوصفين . و شِبْه التلازم هذا بين هذه الأعراض العديدة و بين المشتاق الرَّاسخُ في نفوس الناس ، و ادِّعاءُ المتنبي انقطاعَ التلازم بينهما ، ليترك في نفس القارئ استغرابًا و إعجابًا و انبساطًا و أريحيةً] اهـ
هذا كل ما يمكنني قوله هنا و لربما أعود لاحقًا للتعليق و السلام.
هذه قصيدة رائعة، و بارعة، أعجبتني جدًّا، من حيث المعنى، و من حيث الابتكار و الإبداع الذي لا يُنكَر في صياغتها، بقلم أخ لا أعرفه و الله، و اسمه الأخ جمال حمدان، في منتدى اسمه "أبناء مصر". و لعلي أشرح بعض الوجوه البلاغية أو أعلق بحسب ما يفتح الله تعالى علي، إن شاء الله، و الله تعالى الموفق.
(هذا مصدر القصيدة:
http://www.egyptsons.com/misr/showthread.php?t=28634&)
قال الأخ جمال حمدان:
قَالُوْا : الْعَمَىَ فَقْدُالنَّظَرْ. قُلْتُ :البَصِيْرَةِ لاَ البَصَرْ
قَالُوْا :الْحَيَاةُ قَصِيْرَةٌ وَالْمَوْتُ آفَاتُ البَشَرْ
قُلْتُ : اجْعَلُوُا مِقْيَاسَكُمْ ليَسَْ الزَّمَانَ بَلِ الأَثَرْ
كَمْ فِيْ الْقُصُوْرِ مُغَيَّبٍ وَيَظَلُّ ذِكْرُ ذَوِيْ الْحُفَرْ
قَالُوْا :الْمَحَبَّةُ نِقْمَةٌ لاَ خَيْرَ مِنْهَا يُنْتَظَرْ
وَإِنِ اسْتَمَرَّت لاَ تَـدُومُ كَبَيْتِ رَمْلٍ فِيْ الْمَطَرْ
قُلْتُ : الْمَحَبَّةُ لاَ تَموتُْ بِعَاشِقٍ فِيْهَا عَثَرْ
إِنِّيْ أَرَاكَ تَلُوْمُ عُــوْدا إِنْ خَبَا صَوْتُ الْوَتَرْ
يَكْفِيْ الْمَحَبَّةَ إِسْمُهَا مِنْ حَبَّةِ الْقَلْبِ انْحَدَرْ
إِنِّيْ أَرَاهَا نِعْمَةً وَإِنِ اخْتَلَفْنَا فِيْ النَّظَرْ
وَلِمَ التَّطَابُقُ!فَالتَّبَايِنُ كَانَ مُذْ خُلِقَ البَشَرْ!
فَالْبَعْضُ قَالَ: الْحُبُّ بَحْرٌ لاَ يُطَاقُ بِهِ السَّفَرْ
وَالْبَعْضُ ذَاقُوْهُ فَمِنْـهُمْ مَنْ يَقُوْلُ: بِهِ الضَّرَرْ
والْبَعْضُ ذَمَّ وَبَعْضُهُم ْوَجِلٌ وَبَعْضٌ لَمْ يُسَرّ
وَالْبَعْضُ لاَ رَأْيٌ وَيَعْـتـقِدُ السَّلاَمَةَ فِيْ الْحَذَرْ
وَأَقُوْلُ لاَهَذِيْ وَلاَ تِلكُمْ ولاَ حَرٌّ وَقُرْ
يَامَنْ رَأَيْتَ الْحُبَّ هَجْـراً أَوْ دُمُوْعاً أَوْسَهَرْ
دَعْنِيْ أَقُوْلُ : إِذَا جَزِعْـتَ أَيَدْرَأُ الْجَزَعُ الْقَدَرْ ؟
فَالْحُبُّ سَهْمٌ نَافِذٌ وَلِكُلِّ سَهْمٍ مُسْتَقَرْ
وَالْحُبُّ أَعْذَبُهُ الَّذِيْ حَرَقَ الْقُلُوْبَ بِلاَ شَرَرْ
وَالْحُبُّ أَقْوَاهُ الَّذِيْ قَدْ حَالَ بَيْنَكَ وَالْوَطَرْ
وَالْحُبُّ أَبْقَاهُ الَّذِيْ غَنَّتْهُ أَوْتَارُ السَّحَرْ
فَجَرَىَ النَّسِيْمُ جَدَاوِلاً وَغَفَا الْهَزَارُ عَلَىَ الشَّجَرْ
بِالْحُبِّ - لَوْلاَ الْحُبُّ -قَيْـسٌ فِيْ الْبَرِيَّةِ مَا اشْتُهِرْ!
وَكُثَيرُعَزَّةَ أَوْ جَمِيلٌ وَالَّذِيْنَ هُمُ كُثُرْ!
وَبِدُوْنِهِ الْخَنْسَاءُ مَا نَـاحَتْ وَلاَكُفَّ الْبَصَرْ
وَبِدُوْنِهِ لاَ فَرْقَ بَيْــنَ بُيُوْتِ شِعْرٍ أَوْ شَعَرْ!
لِلْحُبِّ غَنَّىَ (مَعْبَدٌ) وَبِهِ تَرَقْرَقَتِ الْعِبَرْ
لِلْحُبِّ نَزْرَعُ وَرْدةً وَلأَجْلِهِ نَهْوَىَ الْقَمَرْ!
بِالْحُبِّ عيسىَ جاء يشدو في الفيافي والْكُوَرْ
وَبِهِ يَعُوْدُ كَمَا أَشَـارَالْمُصْطَفَىَ خَيْرُ الْبَشَرْ
دَاوُدُ نَاجَىَ بِالْمَحَبَّـةِ رَبَّهُ وَدَعَا الْحَجَرْ
وَفَدَا عَلِيٌّ فِيْ الْفِرَاشِ نَبِيَّنَا عِنْدَالْخَطَرْ
بَالْحُبِّ فَاضَتْ زَمْزَمٌ , بِالْحُبِّثَ ثدْيُ الأُمِّ دَرّ
يَا صَاحِ ! لَوْلاَ الْحُبُّ مَاكَانَتْ ذُنُوْبِيَ تُغْتَفَرْ!
حُبُّ الشَّفِيْعِ . وَرَحْمَةُالمَـولَىَ نَجَاتِيَ مِنْ سَقَرْ!
أَعَرِفْتَ مَعْنَىَ الْحُبِّ أَمْ آتي بأَمْثِلَةٍ أُخَرْ !
فَانْظُرْ - رَعَاكَ اللهُ - عَلَّكَ قَدْ أَعَدْتَ بِهِ النَّظَرْ!
فَأَنَا أُجِلُّكَ أَنْ يُقَالَ: بِكَ الْمَرَارَةُ لاَ الثَّمَرْ!
هَا قَدْ وَهَبْتُكَ مِغْزَلِيْ فَاخْتَرْ لَهُ أَنْتَ الْوَبَرْ!!!
ما شاء الله! ما هذا الجمال ....
و بودي أن أعلق على هذا البيت الجميل:
وَالْحُبُّ أَعْذَبُهُ الَّذِيْ حَرَقَ الْقُلُوْبَ بِلاَ شَرَرْ
فهذا الأسلوب الذي اتبعه الشاعر ملفت، أقصد، سلبُ المشبه به خاصِّية من خواصه، أو صفة من صفاته، أو عرضًا خاصًّا، كما يقول المناطقة. و قد جاء هنا على سبيل الاستعارة المكنية.
و بيانُه: أنه شبه الحب بالنار التي تحرق، فأضمر الحب -المشبه به-، و أثبت خاصية من خواصها، الإحراق، ثم سلب منها عرضًا من أعراضها الخاصة، و أعني به الشرر. و لكم أن تتخيلوا أن هذه العملية التي يجريها العقل تتم بصورة خفية سلسة من حيث لا يشعر الشاعر. (في العبارة الأخيرة ثلاثة أساليب بلاغيان! و من يكشفهما فسوف يساعده ذلك على ممارسة علوم البلاغة و الارتقاء فيها).
و الغرض من هذا الأسلوب هو ترك القارئ طرِبًا منتشيًا، و سبحان الله، فإن التناقض و التضاد له أثر جميل في النفس، و يذكرني بقول الله تعالى: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَان يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)}. و قول الله تعالى: {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ} هو قريبٌ مما شرحتُه أعلاه، و الله تعالى أعلم.
و في هذا بيت يُضاف إليه -زيادةً على ذلك- الابتكار و التجديد اللذان يعشقهما كل إنسان.
و نظيرُ هذا الأسلوب قول المتنبي:
عَلَيها رِياضٌ لم تَحُكْها سَحابَةٌ وأغصانُ دَوْحٍ لمْ تُغَنِّ حَمَائِمُهْ
و فوق حواشي كلِّ ثوب مُوجَّه من الدُّرِّ سمطٌ لم يثقِّبه ناظمُه
و قوله في قصيدته الميمية الشهيرة:
أُراقِـبُ وَقـتَها مِن غَيرِ شَوقٍ مُـراقَبَةَ الـمَشوقِ الـمُستَهامِ
و الآن فقط جاء على بالي أني شرحتُ هذا الأسلوب من قبل أيضًا من خلال شرحي لهذا البيت أعلاه، و سأنقله هنا:
[قول المتنبي : هي تفارقني ليلًا ، واعدةً أن تزور الليل القادم ، فأنا أرقب وقتها لا أفتر و لا أملَّ ، مراقبةَ العاشق الولهان ، الذي لا همَّ له و لا شغل مذ عرف وقت الموعد إلى مجيئه إلا ترقُّب حضور المحبوب !! فهو قد تلبَّس بأعراض العاشق الولهان ، و لكنَّه عارٍ عن ذاتيَّاته !! فقول المتنبي "من غير شوق" ، أي من غير ذاتيات الشوق ، و قوله "مراقبةَ المشوق المستهام" أي مراقبة متلبِّسٍ بأعراض عديدة تعرِض على المشوق المستهام تصحِّح له أن يصف نفسه بهذين الوصفين . و شِبْه التلازم هذا بين هذه الأعراض العديدة و بين المشتاق الرَّاسخُ في نفوس الناس ، و ادِّعاءُ المتنبي انقطاعَ التلازم بينهما ، ليترك في نفس القارئ استغرابًا و إعجابًا و انبساطًا و أريحيةً] اهـ
هذا كل ما يمكنني قوله هنا و لربما أعود لاحقًا للتعليق و السلام.